على مر التاريخ كانت هناك فقاعات مثل "دوت كوم"، و"السكك الحديدية" في القرن التاسع عشر، و"بحر الجنوب" في القرن الثامن عشر، وحتى انهيار سوق الأسهم عام 1929، وهي تجارب قارنها المحللون دومًا بـ"هوس التوليب" في ثلاثينيات القرن السابع عشر.
ومجددًا، تُقارن "بتكوين" حاليًا بفقاعة "التوليب" الهولندي، حتى أن البعض أطلق على العملة الرقمية اسم "هوس التوليب- النسخة الثانية" بحسب تقرير لموقع "ذا كونفرزشن"، ويرجع ذلك بشكل رئيسي لتحول فقاعة القرن السابع عشر إلى مرادف للهوس والجنون الذي تشهده الأسواق.
مأساة من نسج الخيال
- كان جنون "التوليب" الذي عرف أيضًا بالهوس الخزامي، غير عقلاني أو مبرر، وكل سكان هولندا بمختلف طبقاتهم انغمسوا في تجارته، وكانت الزهرة الواحدة يتم تداولها عشر مرات يوميًا، فالجميع يطمع في جني الأرباح.
- بيعت الزهور وفق أسعار مرتفعة بشكل جنوني ماثلت أحيانًا قيم المنازل، وفقد البعض ثروات طائلة وجنى البعض الآخر أيضًا ثروات ضخمة، وكانت حماقة الوافدين الجدد إلى السوق وراء انهيار فبراير/ شباط عام 1637.
- وصل الأمر ببعض من أفلسوا جراء انفجار الفقاعة إلى إلقاء أنفسهم في القنوات المائية، وأخيرًا تدخلت الحكومة وأوقفت تجارة "التوليب"، لكن ذلك لم يسبق انهيار اقتصاد البلاد.
- بالطبع مأساوية القصة هذه جعلتها عبرة وعظة للكثيرين ومصدر إلهام للمحللين والباحثين، لكن المشكلة البسيطة هنا أن معظم الروايات المتداولة بشأنها غير صحيحة، وأغلب هذه التفاصيل لا أساس لها.
- بعد سنوات من البحث في المحفوظات والمخطوطات أثناء إعداد كتاب "هوس التوليب: المال والشرف والمعرفة في العصر الهولندي الذهبي"، تبين أن القصة كانت مختلفة، بحسب "آن جولدجار" أستاذة التاريخ الحديث في كلية الملك بلندن.
حقائق حول التوليب
- كانت "التوليب" منتجًا فاخرًا جديدًا في بلد تنمو ثرواته وشبكات تجارته بسرعة، وبدأ الهولنديون شراء هذه الزهور جنبًا إلى جنب مع العديد من المنتجات الفنية مثل اللوحات أو المقتنيات النادرة.
- ارتفعت أسعار "التوليب" لصعوبة زراعتها، لكن هذا الارتفاع لم يره الهولنديون آنذاك غير عقلاني ما دام الأصل له قيمة بالفعل، خاصة أن المشتري القادم سيكون على استعداد لدفع سعر أعلى لاقتناء الزهرة.
- لم يكن الولع بهذه الزهور جنونيًا، فأغلب الأوقات شهدت تداولات هادئة نسبيًا، وكانت تتم في الحانات والأحياء وليس في البورصة، وجرى تنظيمها بشكل كبير، وأنشئت شركات عمقت تجارتها، وظهرت لجان من الخبراء والمراقبين.
- لم تظهر أبحاث "آن" أي روايات عن تداول الزهور لمئات المرات كما أشار البعض، لكن القليل منها جرى تداوله لخمس مرات فقط على الأكثر.
- بعد تفشي الوباء في البلاد عام 1636، كان أكبر ارتفاع يحدث للأسعار في يناير/ كانون الثاني من العام التالي مع انحسار المرض، ويرجع ذلك ربما لتخصيص البعض أموالًا من الثروات التي ورثوها لشراء "التوليب".
طبيعة المشاركين في السوق
- بلغت الأسعار مستويات مرتفعة للغاية بالفعل لكنها لم تكن هكذا أغلب الوقت، وصحيح أن أغلاها وصل إلى 5 آلاف جيلدر وهو ثمن منزل مجهز بشكل جيد، وكان قليلون بإمكانهم إنفاق الكثير على شراء الزهور.
- لم تتوصل "آن" سوى لـ37 شخصًا أنفقوا أكثر من 300 جيلدر على "التوليب"، وهو ما يعادل الأجر السنوي للحرفي الماهر في صنعته، وبشكل عام كانت الزهور أرخص بكثير باستثناء نوع أو اثنين فقط.
- أما ما يقال عن مشاركة العمال الفقراء من أمثال منظفي المداخن والحائكين، لم يكن دقيقًا أيضًا، حيث كانت مشاركة هؤلاء في تجارة "التوليب" صغيرة نسبيًا.
- الكثير من المشترين والبائعين كانوا على علاقة ببعضهم البعض إما من خلال النسب أو الدين أو الحي الذي يسكنون فيه، ومن الشائع آنذاك ألا يتم البيع سوى لشخص معروف للبائع.
كيف انهارت الأسعار إذن؟
- لم يكن انهيار الأسعار بسبب سذاجة أو سوء تقدير الأطراف الجديدة بالسوق كما روج البعض، لكن حدث ذلك بسبب المخاوف من زيادة العرض وعدم استدامة الأسعار التي بلغت مستويات شاهقة أوائل عام 1637.
- لم تكن بصيلات الزهور متوافرة في هذا الوقت، وكلها كانت مزروعة في الأرض بالفعل، ولن يتم تداولها مقابل المال حتى تسليمها في مايو/ أيار أو يونيو/ حزيران.
- أي شخص اشترى أو باع "التوليب" على الورق منذ صيف عام 1936 لم يخسر شيئًا، فقط من انتظروا تحصيل المدفوعات هم من كانوا في ورطة، لكنهم غالبًا استطاعوا تحمل الخسارة وتجاوزوا الأمر.
- لم يتأثر الاقتصاد الهولندي أبدًا، ولم يغرق أحد في القنوات، ولم يفلس أي أحد خلال هذه السنوات، ولم تعثر "آن" على شخص يمكن القول بأنه تعرض لضربة مالية موجعة جراء "الهوس الخزامي".
- حالات ظهور متداولي "التوليب" في سجلات الإفلاس، يرجع فقط لشرائهم منازل وبضائع من أشخاص أفلسوا لسبب ما، بينما لا يزال لديهم وفرة من المال لاستثمارها.
- لم تتدخل السلطات لوقف التجارة، وبدلًا من ذلك تحركت ببطء، وكانت مترددة إزاء مطالب بعض التجار ومجالس المدن لحسم النزاعات، واقترح القضاء أن يبقى الناس الحديث حول "التوليب" فيما بينهم بعيدًا عن أروقة المحاكم.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}