نبض أرقام
02:17
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

10 سنوات على الأزمة المالية التي أوصلت العالم إلى الحافة .. أين كنا وكيف أصبحنا؟

2018/03/23 أرقام - خاص

قبل ما يزيد على 10 سنوات، وتحديداً في التاسع من أغسطس/آب 2007، اندلعت شرارة الأزمة المالية العالمية مع إعلان بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي إغلاق وتجميد عمليات السحب من الصناديق التابعة له الحاملة لرهون عقارية أمريكية عالية المخاطر، ليبدأ أول فصول أزمة الائتمان التي هددت النظام المالي العالمي بالكامل.

 

 

قبل ذلك اليوم، كانت هناك شكوك وإشارات تحذيرية حول الحالة الصحية لسوق الرهون العقارية الأمريكي، غير أن الجميع تجاهل تلك التحذيرات إلى أن اعترف البنك الفرنسي الأكبر بأن الصناديق التي قام بإغلاقها كانت بلا قيمة، وهو ما أكد حجم المشكلة، لتتوقف عملية الاقتراض قصير الأجل بين البنوك.
 

ولذلك ليس من المستغرب أن يشار إلى التاسع من أغسطس/آب 2007 في الأوساط المالية العالمية باعتباره "اليوم الذي تغير فيه العالم".
 

غرفة وصالة
 

- دفعت الأزمة التي استمرت حتى عام 2009 بالكثير من البلدن إلى فخ الركود، وأثرت بشكل سلبي على أسواق الأسهم العالمية، وخصوصاً السوق الأمريكي، الذي شهد خسارة "داو جونز" الصناعي أكثر من 54% من قيمته، بعد أن تراجع من 14164 نقطة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2007 إلى 6547 نقطة في التاسع من مارس/آذار 2009.

 

- في العقود الأخيرة، أصبحت الأسواق المالية العالمية أكثر عولمة وأكثر اندماجاً في ظل تقدم التكنولوجيا وتوحيد المنتجات المالية، وقد أدى هذا الترابط إلى انتقال عدوى الاضطرابات بين كافة الأسواق بشكل سريع، ولعلنا جميعاً نتذكر كيف أثرت أزمة البات التايلاندي على كل من كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا أثناء الأزمة المالية الآسيوية (1997).


- لا يوجد دليل على هذا الترابط أكثر وضوحاً من أزمة 2008، حيث رأينا جميعاً كيف أن تدهور قطاع الإسكان المحلي في بلد واحد ساهم في انتشار عدوى عالمية عصفت باقتصادات الكثير من البلدان، وذلك بسبب الطبيعة المعقدة والمتشعبة للمنتجات المالية المتطورة، حيث يمكنك أن تجد منتجا استثماريا واحدا يربط بين أكثر من 10 بنوك وشركات في 5 قارات.

 

- أكثر من 10 سنوات مرت على اندلاع تلك الأزمة، وهذه قد تكون مناسبة جيدة لتناول ما حدث في تلك الفترة، ومحاولة رصد أين يقف الجميع بعد كل تلك السنوات، واستعراض مدى قدرة كل من الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة الخليج وبالأخص السعودية على التعافي واستعادة مستويات ما قبل الأزمة.
 

أمريكا .. المواطن في مواجهة المؤشر
 

- لكونها منشأ الأزمة، كان من المنطقي جداً أن تكون الولايات المتحدة أكثر تأثرًا من غيرها، فخلال عامي 2008 و2009 خسر أكثر من 8 ملايين أمريكي وظائفهم، وفقد "داو جونز" الصناعي أكثر من نصف قيمته، وتبدد 19 تريليون دولار من ثروات الأمريكيين، وأفرغت أحياء كاملة من سكانها بعد أن استعادت البنوك المنازل التي تم شراؤها بنظام الرهون العقارية.

 

- تمثل الرد الفوري من الاحتياطي الفيدرالي في تنفييذ آليات الطوارئ بغرض إنقاذ سوق الائتمان وتخفيف حدة أزمة السيولة، حيث قدم البنك ضمانات ائتمانية لديون كبرى المؤسسات المالية، ووفر تأمينا غير محدود للودائع التي لا تحمل فائدة، كما قام برفع سقف الحد الأقصى للتأمين على الودائع الشخصية من 100 ألف إلى 250 ألف دولار، قبل أن يقوم بضخ سيولة قدرها 250 مليار دولار في البنوك الأمريكية.

 

- لتثبيت أركان القطاع المصرفي، وتعزيز الثقة به، تم إنقاذ عدد من المؤسسات المالية مثل "بير ستيرنز" و"إيه آي جي" و"فاني ماي" و"فريدي ماك"، ولكن لم تنجح خطة إنقاذ "ليمان برازرز" والذي تسبب إفلاسه في اتساع نطاق الأزمة وآثارها العالمية.


- بعد عقد من الزمان، تعافى الاقتصاد الأمريكي وبالأدق مؤشراته بصورة نسبية. فمنذ أوائل عام 2010 ويستمر أرباب العمل في إضافة المزيد من الوظائف، بينما ازدهر سوق الأسهم ووصل إلى مستويات تاريخية غير مسبوقة، في حين ارتفعت أسعار المنازل إلى مستويات قياسية جديدة.

 

- تمكن القطاع المالي والاقتصاد الكلي من استعادة مستويات ما قبل الأزمة، بل إن بعض المؤشرات تمكنت من التفوق على مؤشرات ما قبل 2007. فعلى سبيل المثال، انخفض معدل البطالة في البلاد من 10% في أكتوبر/تشرين الأول 2009 إلى 4.1% في فبراير/شباط 2018، وذلك مقارنة مع 4.4% قبل اندلاع الأزمة في 2007.

 

- لكن في الوقت نفسه، لا تزال آثار ما حدث قبل 10 سنوات تؤثر على حاضر الكثير من الأمريكيين وبالأخص أولئك الذين فقدوا مدخراتهم التي جمعوها بشق الأنفس على مدار سنوات عملهم في الصناديق الاستثمارية التي وقعت تحت ركام حطام الأزمة.

 

- أشارت نتائج مسح استقصائي شمل أكثر من ألف شخص أعدته مؤسسة "كنتري فاينانشيال" في يوليو/تموز 2017 إلى أن 3 من بين كل 10 أمريكيين ما زالوا يشعرون بأن مواردهم المالية الشخصية لم تصل بعد إلى مستويات ما قبل الأزمة.

 

- كما أشار المسح إلى أن 26% من المستطلعة آراؤهم لا يزالون يحاولون الانتعاش مالياً وتعويض ما خسروه خلال الأزمة، في حين أوضح 4% منهم أنهم لا يعتقدون أنه بإمكانهم استعادة ما فقدوه. كما قال 42% إنهم يعتقدون أن الاقتصاد الأمريكي لم يتعاف بالكامل من آثار الأزمة المالية.
 

أوروبا وحظها التعيس .. لم تكد تنتهي من الأزمة فـ...
 

- عندما علق بنك "بي إن بي باريبا" عمليات السحب من صناديق تبلغ قيمتها 2.25 مليار دولار في أغسطس/آب 2007، كان  الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي "جان كلود تريشيه" يقضي عطلته على ظهر أحد المراكب في سان مالو ، شمال غرب فرنسا.

 

- أوروبا كلها كانت واقفة على قدميها في انتظار تصريحات الرجل – باعتباره الشخصية المالية الأهم في القارة – وفي ظل ضيق الوقت، سارع "تريشيه" وزملاؤه باستخدام الفاكسات والهواتف في صياغة بيان يعبر عن استجابة المركزي للحادثة، تلاه تعهد من البنك بإقراض المؤسسات المالية أي كمية تحتاجها من المال.

 

- في بريطانيا لم يكن الأمر أقل دراما. فقد وصلت تبعات انهيار "ليمان برازرز" إلى المملكة المتحدة بسرعة كبيرة، وارتعدت فرائص الساسة البريطانيين بعد أن اقتربت سيولة "رويال بنك أوف سكوتلاند" – الذي كان يعتبر وقتها أكبر بنك في العالم – من النفاد.


- يقول العضو السابق بمجلس العموم البريطاني اللورد "أليستير دارلينج": "كنت في اجتماع لوزراء المالية الأوروبيين حين تلقيت مكاملة من رئيس البنك يخبرني فيها بأن السيولة لديه اقتربت من النفاد، لأرد عليه قائلًا: حسناً، لدينا خطط جاهزة، لكن كم من الوقت لدينا؟. يرد رئيس البنك "بضع ساعات". "اقشعر بدني" هكذا وصف "دارلينج" شعوره وقتها.

 

- كانت استجابة صناع القرار المالي في أغلب البلدان المتقدمة للأزمة متماثلة إلى حد كبير. حيث تمثلت سياسات البنوك المركزية في المملكة المتحدة وباقي دول الاتحاد الأوروبي في ضخ كميات هائلة من السيولة في البنوك المحلية، وخفض أسعار الفائدة، وشراء الأصول السامة وتوفير الضمانات.

 

- ساهمت هذه السياسات في استقرار اقتصاد الاتحاد الأوروبي بشكل نسبي وتجنبه على الأقل للانهيار، إلا أن أغلب دول المنطقة لم تستعد حتى الآن مستويات ما قبل 2007، وذلك ربما بسبب أزمة الديون الأوروبية التي ضربت القارة في عام 2011.

 

- نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لاقتصاد منطقة اليورو بنسبة 2.5% في عام 2017، ورغم أن هذه هي أفضل نسبة توسع شهدها اقتصاد المنطقة في 10 سنوات، إلا أنها لا تزال أدنى نسبة النمو الخاصة بعام 2007 والبالغة 3.1%.

 

- مصير الانتعاش المستقبلي لدول منطقة اليورو يعتمد بشكل رئيسي على قدرتها على حل مشاكل الديون المالية لعدد من دول الاتحاد، وهي: اليونان وإسبانيا وإيطاليا وأيرلندا.
 

الخليج .. لا مكان للاختباء
 

- الأسواق الناشئة ليست محصنة ضد تقلبات الأسواق العالمية، وهذا ما أثبتته أزمة 2008. فالكثير من السياسات التي اعتمدها عدد من البلدن الناشئة لعزل نفسها أثبتت عدم كفايتها في مواجهة الاضطرابات الحادة وخصوصاً تلك التي تقع في الأسواق المتقدمة.

 

- تباينت درجات تأثر الاقتصادات العربية بأزمة 2008 بحسب طبيعة اقتصاد كل دولة ودرجة انفتاحه ومدى ارتباطه بالاقتصاد العالمي. فدول مجلس التعاون الخليجي على سبيل المثال، ترتبط أكثر من غيرها من الدول العربية بالنظام المالي العالمي وأسواق السلع العالمية، ولا سيما النفط والغاز والبتروكيماويات.

 

- في خضم الأزمة تراجع الطلب العالمي على النفط، لتنخفض أسعاره من 147 دولارا للبرميل في يوليو/تموز 2008 إلى 38 دولارا في ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، وهو ما أدى إلى تراجع الفوائض المالية التي كونتها الدول الخليجية خلال فترة ازدهار النفط بين عامي 2003 و2008.

 

- انخفضت كذلك السيولة في القطاع المصرفي وقطاع الأعمال، وبدأت الأموال الساخنة التي دخلت الأسواق الخليجية في عام 2007 وأوائل 2008 بغرض المضاربة في الانسحاب، وهو ما تسبب في اهتزاز ثقة المستثمرين في الظروف الاقتصادية المحلية.


- ساهم الاعتماد المتنامي للبنوك الخليجية على الائتمان الأجنبي في تمويل المشاريع العقارية الضخمة في مواجهة الكثير منها لمشاكل ومخاطر كبيرة أثناء سعيها لإعادة تمويل تلك الديون بعد اندلاع الأزمة، لترتفع تكلفة إعادة التمويل بشكل كبير، وهو ما تسبب لاحقاً في تأجيل أو تجميد عدد كبير من مشاريع التطوير العقاري.

 

- وفقاً لصندوق النقد الدولي، قدرت قيمة المشاريع التي تم تأجيلها أو تجميدها في دول مجلس التعاون الخليجي في نهاية 2009 بنحو 575 مليار دولار، بالمقارنة مع إجمالي المشاريع التي كانت قيد التنفيذ في نهاية 2008 والتي تقدر بنحو 2.5 تريليون دولار.

 

- رغم انخفاض معدل النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي بدول مجلس التعاون الخليجي بأكثر من النصف في عام 2009 ليصل إلى 3.2%، إلا أن ذلك المعدل كان أفضل بكثير من نظيره في الدول المتقدمة التي تأثرت أكثر من غيرها بالأزمة.

 

- تأثير الأزمة المالية العالمية على الأسواق الخليجية كان في أوضح صوره في أسواق الأسهم بدول مجلس التعاون، والتي خسرت حوالي 41% أو ما يعادل 400 مليار دولار من قيمتها السوقية خلال الفترة ما بين شهري سبتمبر/أيلول وديسمبر/كانون الأول من عام 2008.


- الطريف هو أن العلاقة بين الأسواق الخليجية مجتمعة وسوق الأسهم الأمريكي قبل الأزمة كانت عكسية، بمعنى إذا ارتفع الثاني تنخفض الأولى والعكس صحيح، ولكن أثناء الأزمة تحولت العلاقة إلى علاقة طردية.

 

- بغرض محاصرة تداعيات الأزمة، حافظت دول المجلس على مستويات الإنفاق، وقامت بعضها بزيادتها على الرغم من تدهور أسعار النفط خلال تلك الفترة، كما اتخذت تدابير مالية استثنائية شملت إعادة رسملة وتوفير السيولة لبعض المؤسسات.

 

- تماشياً مع برنامج التيسير الكمي في الولايات المتحدة وبغرض تخفيف شروط الائتمان المحلية قامت دول مجلس التعاون "باستثناء قطر" بخفض أسعار الفائدة، كما أجرت بعض التغييرات القانونية في هيكل قطاعها المالي، شملت على سبيل المثال تخفيض متطلبات الاحتياطي.

 

- رغم كل ما سبق، كانت آثار الأزمة المالية العالمية على السعودية تحديدًا محدودة نسبياً، حيث تمكن الاقتصاد السعودي من عكس الانكماش الذي اقتربت نسبته من 2% في عام 2009 إلى نمو نسبته 4.76% في عام 2010 قبل أن يتوسع بنسبة بلغت 10% في عام 2011 مع تعافي أسعار النفط.

 

 

- لكن منذ ذلك الحين استمر معدل نمو الاقتصاد السعودي في التراجع من 10% في 2011 إلى 5.41% في 2012 ثم 2.7% في 2013، و1.67% في 2016، قبل أن يعود وينكمش مرة أخرى في 2017 بنسبة 0.74%، بحسب بيانات ساما.

 

- على عكس الوضع في الكثير من الاقتصادات المتقدمة، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، الموقف الحالي للاقتصاد السعودي بالتحديد لا يتعلق بأزمة 2008 وما حدث حينها بقدر ما يتعلق ببنية الاقتصاد نفسه وطبيعته الهيكلية.

 

 

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة