شهدت عمليات الدمج والاستحواذ فورة مؤخرًا دفعتها إلى مستويات قياسية، وربما يكون من المفهوم إجراء عملية دمج مثل تلك المقررة بين "سينسبري" و"أسدا" بقيمة مليارات الدولارات في المملكة المتحدة، ومع ذلك تبدو هذه الصفقة صغيرة مقارنة بما يحدث في أماكن أخرى.
وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، قدمت "تي موبايل" عرضًا بقيمة 59 مليار دولار للاستحواذ على "سبرينت" وتكوين ثاني أكبر شركة اتصالات لاسلكية في أمريكا، فيما أعلنت "ماراثون بتروليوم" عن صفقة بقيمة 36 مليار دولار لضم مجموعة التكرير المنافسة لها "أنديفور".
وفي كل حالة اندماج على حدة، هناك مبررات كثيرة بعضها معقول، وأهمها طبعًا الوفورات التي يخلقها الحجم الكبير ما يعني تقديم أسعار أفضل للمستهلكين، لكن قليلا جدًا من هذه الوعود يمكن تصديقها فأغلبها مخادع، بحسب تقرير لـ"التلغراف".
انهيار أعمدة الرأسمالية
- بينما يتخلصون من منافسيهم، يدمر هؤلاء العمالقة الصناعيون الرأسمالية من الداخل، وهو أمر سيئ بالنسبة للوظائف، والموردين، ولمناخ الإبداع، وأيضًا سيئ لريادة الأعمال بشكل عام، وبالطبع أثره على الإنتاجية غير مرغوب فيه.
- المستفيد الوحيد الواضح من هذه العمليات هو الصف الأخير من العمالة، لكن حتى ذلك قد يدوم لفترة مؤقتة، ورغم عدم وضوح أثر هذه الاتجاهات في دولة مثل بريطانيا، يزداد الأمر سوءًا في أمريكا وأوروبا.
- بتوجيه من الحكومتين الفرنسية والألمانية، يبدو أن المفوضية الأوروبية ستوافق على اندماج بين عمليات هندسة السكك الحديدية لشركة "ألستوم" و"سيمنز"، لإنشاء كيان أوروبي هائل يسيطر على 80% من السوق في القارة العجوز.
- السؤال هنا، هل ستخلق أوروبا مناخًا تنافسيًا فعالًا بإنشاء كيانات عملاقة على الطريقة الصينية؟ بالطبع لا، علمًا بأن تحقيق فرنسا وألمانيا منافع من هذه الشركة غير مؤكد، وبالنسبة لباقي البلدان فالأمر أكثر إثارة للشك.
ركود الاستثمار: أمريكا مثالًا
- وجد بحث أجراه مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما" مستويات متصاعدة من التركيز (هيمنة قلة على حصة ضخمة من المبيعات في السوق) في جميع الصناعات داخل الولايات المتحدة، كان بعضها ملحوظًا للغاية.
- خلال الثلاثين عامًا المنتهية بانقضاء عام 2010، قفزت حصة أكبر عشرة بنوك أمريكية من سوق الإيداع إلى 50% من 20%، وكان الأمر سيان في قطاع تجارة التجزئة وصناعات أخرى.
- مع صعوبة الوصول إلى معدلات نمو أعلى من السابق، ركز الرؤساء التنفيذيون بدلًا من ذلك على الدمج وخفض التكاليف، وهبط عدد الشركات المدرجة في السوق الأمريكي إلى النصف وارتفع نشاط الاستحواذ خلال العقدين الماضيين.
- أدى ذلك إلى تراكم الأموال، وتراجع الاستثمار، وفورة في توزيعات الأرباح وإعادة شراء الأسهم، وفي عام 2009، تم إنفاق 60% من أرباح الشركات المدرجة بمؤشر "إس آند بي" على التوزيعات النقدية وإعادة شراء الأسهم.
- تجاوزت هذه النسبة 100% بداية عام 2015، وبلغت 131% خلال الربع الأول من عام 2016، وفي الوقت نفسه لا تزال استثمارات الشركات راكدة، وهو نمط ملحوظ في مناطق أخرى غير الولايات المتحدة.
صعود الكيانات الاحتكارية
- ركز المديرون التنفيذيون بشكل كبير على المدى القصير، على حساب الوظائف والاستثمار والابتكار، ووجد مجلس المستشارين الاقتصاديين الأمريكي أن زيادة الحواجز أمام دخول السوق سببت تباطؤا مدمرا في مجال إنشاء الشركات الجديدة.
- في أوائل الثمانينيات، شكلت الشركات الشابة في الولايات المتحدة، حوالي نصف إجمالي عدد الشركات في البلاد وخُمس القدرة التوظيفية، لكن انخفضت هذه الأرقام إلى ثلث إجمالي عدد الشركات وعُشر القدرة التوظيفية للبلاد عام 2013.
- كانت النتيجة خلق احتكارات جديدة في الصناعات الرقمية سريعة النمو، ومن المعروف أن الشركات الجديدة تعني خلق فرص عمل جديدة، أما الشركات الكبيرة والقديمة تدمر الوظائف القائمة بالفعل.
- بالعودة للحديث عن جهود الدمج بين "سينسبري" و"أسدا"، فينبغي أن ترفض مجموعات المتاجر المنافسة هذا الأمر خاصة مع القوة الشرائية للكيان المحتمل إنشاؤه والتي ستتسبب في خلق مناخ غير موات للمنافسة.
- على جميع الأطراف مواصلة المنافسة حتى وإن كان ذلك يضر بالأرباح ويقلص تواجدهم في نهاية المطاف، فليكن، إنها الرأسمالية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}