على الرغم من قدم نظرية "ثورة التطلعات المتصاعدة" في الاقتصاد، إلا أنها لم تكن قط صالحة للتطبيق والاستغلال من جانب أصحاب الشركات كما هو الحال في هذه الأيام، في ظل ظهور منتجات جديدة وتطوير القائمة بشكل متسارع.
وترتكز هذه النظرية على حقيقة أن الإنسان يقوم بترتيب حاجاته بشكل تنازلي، فيشبع الأهم فالمهم وهكذا (بافتراض الشخص الرشيد كما تفعل غالبية الدراسات الاقتصادية)، وبالتالي تبدأ حاجات جديدة بالظهور باستمرار مع إشباع الشخص لحاجاته المتقدمة في الأولوية، وتستغل الشركات تلك الحقيقة لبيع منتجاتها.
الحاجات ستظهر.. فلتجعلها مناسبة لك
ويقول "فيليب كوتلر" أبرز الكتاب في مجال التسويق على الإطلاق في كتابه الشهير "كوتلر يتحدث عن التسويق" "حاجات الناس تنمو بشكل مضطرد وبلا توقف، وما على أي شركة أن تتأكد منه أن منتجاتها تسير مع اتجاه احتياجات الناس المتفجرة، أو تسعى لتشكيل أولوياتهم في تحديد رغباتهم بما يناسبها".
فعلى سبيل المثال، فإن الشركات المنتجة للهواتف الجوالة تبدأ في الترويج من خلال الأخبار المسربة لمنتجها القادم، قبل طرحه في الأسواق بفترة كبيرة لكي تحقق هدفًا رئيسيًا لدى المستهلكين، أولًا لإشعارهم بأن المنتج شيء قيم يستحق تسريب الأخبار عنه، وثانيا أنها تخلق طلبًا استباقيا على منتجها قبل طرحه للأسواق.
وتعتبر "فوربس" أن الشركات في كثير من الأحيان تعلم أن منتجها الجديد لا يقدم إضافات جوهرية للمستخدم، لكن على الرغم من ذلك تسعى لاستغلال "تصاعد التطلعات" من خلال عدد من الاستراتيجيات، أهمها عمل "ارتباط عاطفي" مع المنتج.
الارتباط العاطفي بالمنتجات
ووفقا لـ"فوربس" فإن شركة "آبل" المنتجة لهاتف "آيفون" هي أفضل من يقوم بعمل الارتباط العاطفي مع منتجاتها لدى المستهلكين، مشيرة إلى أن الشركة تقوم بالدعاية لهاتفها المقبل بمجرد طرح الطراز الجديد في الأسواق بما يجعل الأسواق تتلهف المنتج قبل وجوده بفترة طويلة.
بل إن "آبل" قامت حين طرحها لـ"آيفون 5" بتأجيل طرحه أسبوعين عن الموعد المقرر، وهو ما دعّم "الشغف" للحصول على الجوال وأدى لنفاد دفعة الإنتاج الأولى من الأسواق في وقت قياسي.
وتشير دراسة لكلية "كامبردج" لإدارة الأعمال إلى أن الكثير من الأعمال تقوم بـ"خلق" الطلب، وإذكاء ثورة التطلعات المتصاعدة، من خلال العديد من الأساليب، ولعل أبرزها "إظهار الندرة".
فوفقًا لموقع "ذا بالنس" الاقتصادي، فإن الماس لا يعاني من شح في الإنتاج عالميًا غير أن الشركات المنتجة تعمل باستمرار على الإبقاء على الإنتاج في حده الأدنى للغاية، بل وتعمل على التحكم في كم المعروض بحيث يكون محدودًا أيضًا.
وفي كل الحالات فإن المستهلكين يزيد إقبالهم على شراء المنتجات التي يعتقدون أنها على وشك النفاد أو أن كميتها محدودة، ولعل هذا أحد أهم الأسباب لنفاد نفس المنتج بنفس السعر بصورة أسرع لدى "أمازون" إذا كان بجوار المنتج كلمة "كمية محدودة" أو "لفترة محدودة" وهما يدفعان المستهلك للتغلب على تردده ويقبل على الشراء.
وتبرز "فوربس" ظاهرة تعرف باسم "الخوف من فقدان السلع" التي تدفع الكثير من المستهلكين للشراء ويستغلها المنتجون في توجيه تطلعات المستهلكين المتصاعدة وحاجاتهم الجديدة لتكون أكثر ملاءمة لطبيعة إنتاجهم.
ساعة بمليون دولار.. فقط لمن يستحق
وتتسبب هذه الظاهرة كثيرًا في توجيه الاحتياجات (الرغبات) بشكل كبير، فبسبب إلحاح شركات التكنولوجيا على ضرورة التطوير المستمر للأجهزة الحديثة، قد يهمل البعض احتياجات أساسية، مثل المأكل الجيد والملبس اللائق، مقابل الحصول على أحدث الأجهزة في السوق، وذلك بعد استغلال الشركة للحاجات التي لا تنتهي للمستهلك وتوجيهها في اتجاهها.
ولعل أبرز أشكال "خلق الاحتياجات" وتوجيهها هو ما تقوم به شركة "باتيك فيليب" السويسرية لإنتاج الساعات، حيث لا تبيع أحد موديلاتها إلا من خلال خطاب موجه من العميل إلى المدير التنفيذي للشركة يخبره فيه لماذا يستحق العميل الحصول على هذه الساعة.
وتلفت "فوربس" إلى أنه على الرغم من أن العميل هنا يدفع مليون دولار مقابل تلك الساعة، إلا أنه يتوجب عليه تبرير "استحقاقه" للحصول على الساعة رغم دفعه لأموال طائلة.
والفكرة هنا أن شركة الساعات تعلم جيدًا أنها تبيع "حاجة" أخرى للمستهلك، وهي الحاجة إلى تقدير الذات والشعور بتقدير الآخرين، وهي على قمة هرم الحاجات النفسية، وهي تبيعها لشخص تعلم أنه سينفق مليون دولار في شراء ساعة وبالتالي فإن حاجاته الأساسية مشبعة تمامًا، وبالتالي تستهدف حاجته "الأعلى" لعلمها بتحقيقه لكل ما سبقها.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}