"لا شك أنه أحد أهم الكتب التي قرأتها على الإطلاق، فتفكير شخص ما بشكل مختلف عن بقية الناس ليس بالأمر السهل، لا سيما في عالم تسيطر عليه الانحيازات المسبقة".. هكذا يصف بيل جيتس كتاب "عالم مليء بالحقائق: 10 أسباب توضح لماذا نخطئ في تقييم العالم من حولنا وكيف تتحسن الأوضاع ولا تسوء" للكاتب هانز روزلينج.
وفي حواره مع مجلة "تايم" يصف "جيتس" الكتاب بـ"التعليمي" والمفيد للغاية لأي شخص لأنه سيكون بوسعه بعد قراءته التفكير بطريقة أفضل من تلك التي اعتادها قبل قراءة الكتاب.
هل فعلًا يصبح عالمنا أسوأ؟
ويحاول روزلينج مناهضة فكرة أساسية تسيطر على عقول الناس في غالبية أنحاء العالم، مهما بلغت درجة ثقافتهم أو تعليمهم أو اضطلاعهم، وتقوم تلك الفكرة على الاعتقاد بأن العالم يصبح مكانًا أسوأ كل يوم، وأنه يصبح أكثر ميلًا للعنف وأشد فقرًا وأقل مراعاة لصحة الإنسان.
وليثبت روزلينج فكرته قام برحلات مكوكية واسعة في عدد كبير من دول العالم ليسأل طلبة وصحفيين وباحثين وغيرهم عن اعتقادهم حول نسبة الفقراء في العالم، وباستمرار جاءت الإجابات أسوأ من حقيقة الأمر بما يعكس نظرة متشائمة للأوضاع عالميًا وتختلف عن حقيقة الأمر. وتتسق تلك الفكرة مع ما كان روزلينج يدعو إليه إبان حياته –حيث توفي العام الماضي وأكملت ابنتاه كتابه بناء على عمله بالأساس- بأن نقاوم الجهل باستمرار بالإحصائيات.
ويبدأ روزلينج في كتابه بمقاومة فكرة أن غالبية الناس في العالم إما فقراء أو أغنياء، ليؤكد أن ما تكشفه الإحصائيات هو أن 75% من سكان هذا العالم من المنتمين للطبقة المتوسطة والذين يعيشون بين دولارين إلى 32 دولار يوميًا، ليقترح هو بالمقابل تقسيم العالم إلى 4 طبقات وليس اثنتين فقط، إحداهما الفقيرة وأخرى غنية وطبقتان في المنتصف، ولكن الحقيقة تبقى أن من يعيشون بالمنتصف غالبية.
ويضيف روزلينج عددًا من الحقائق الأخرى التي تدعم نظرته "المتفائلة" للعالم، حيث إن 65% من سكان عالمنا يمتلكون هواتف محمولة، وبينما كان عدد الوفيات نتيجة للكوارث الطبيعية في ثلاثينيات القرن الماضي حوالي 971 ألفًا سنويًا انخفض العدد إلى 72 ألفًا في زمننا الحالي.
أشكال أخرى للتحسن
وبينما كانت نسبة البشر ممن يحيون في مجتمعات تراعي الديمقراطية وحقوق الإنسان لا تتعدى 1% عام 1816، أصبحت تلك النسبة 56% حاليًا، وتشير الإحصائيات إلى أن السفر بالطائرة أصبح أكثر أمنًا بـ21 ألف مرة مما كان عليه قبل 80 عامًا وذلك قياسيًا بعدد الوفيات لكل كيلو متر يقطعه المسافر، "ولكن وصول الطائرة سليمة بدون حادث ليس خبرًا وبالتالي لا يثير الانتباه" كما يؤكد روزلينج في كتابه.
وأصبحت نسبة البشر ممن يحصلون على مياه نقية 88% من سكان العالم بينما كانت النسبة 58% في ثمانينات القرن الماضي، وتراجعت وفيات الأطفال بشكل لافت وكذلك معدلات الإصابة بأمراض مثل الإيدز والأمراض الوبائية، وتحسن معدل العمر متوقع إلى قرابة 70 عامًا عالميًا.
وفي المتوسط أصبح نصيب الرجل من التعليم عندما يبلغ الثلاثين (عالميًا) 10 سنوات، بينما يبلغ نصيب المرأة 9 سنوات فقط بما يشير إلى تراجع كبير في الفجوة التعليمية بين الجنسين، بينما أصبحت نسبة من يعانون الفقر المدقع نصف ما كانت عليه قبل 20 عامًا.
ويلفت روزلينج إلى أن الكثيرين مثلًا يخشون من استمرار ظاهرة "الانفجار السكاني" مع تراجع الموارد، بينما تشير الإحصائيات إلى أن العالم لن يشهد زيادة ملموسة في السكان حتى عام 2100 في ظل الاتجاهات الحالية للإنجاب مع الأخذ في الاعتبار تحسن الرعاية الصحية وتطور الطب.
كيف ترى الواقع بشكل صحيح؟
ويقدم روزلينج عددًا من النصائح لفهم ما يحدث في العالم بشكل عام:
- تجنب التعميم: ففي كثير من الأحيان نمر بتجربة سلبية فنقوم بتعميم الأمر على كافة ما يحدث في العالم، بينما لا يتعدى الأمر استثناءً وليس أصلا، فالحكم يجب أن يكون من خلال الأرقام وليس من خلال الخبرات الشخصية التي تبقى محدودة.
- ابحث عن السبب: غالبية الناس لا يهتمون بالأسباب قدر بحثهم عمن يلقون عليه باللائمة في أي شيء سيئ يحدث، بينما قد يكون لما حدث أسبابه المنطقية بدون وجود "شخص شرير" في الأمر.
- حدث معلوماتك: الغالبية تركن إلى المعلومات التي تحصل عليها منذ أيام الدراسة في الأحكام التي تبنيها على الأشياء من حولها، بينما في العلوم الاجتماعية تتطور الصورة وتتغير باستمرار، ليشبه الأمر من يريد استهلاك حليب أو خضراوات أنتجت منذ سنوات.
ويدعو روزلينج في نهاية كتابه إلى السيطرة على "النزعة السلبية" في رؤيتنا للأمور، فعلى الرغم من اعترافه بأن هناك الكثير من الأمور السيئة التي تبقى في عالمنا المعاصر إلا أن هذا لا ينبغي أن يحول دون رؤيتنا لأي شيء يتحسن من حولنا ومحاولة دعم هذا التحسن –بل والاحتفال به- بكل قوة، فنزعات مثل الخوف والتشاؤم كثيرًا ما تقود لأخطاء في التقدير يكن لها نتائج سلبية للغاية.
وبعيدًا عن الاتهامات لمؤلف الكتاب عن كونه من أحد أكثر دول العالم رفاهية (السويد) وهو ما يجعله لا يرى الواقع كما هو، إلا أن صحيفة "تايمز" تشير إلى أن وجوده ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعًا على مستوى العالم بينما هو كتاب يقوم على الإحصائيات التي يراها كثيرون "مملة" يعكس مدى التقدير العالمي الذي تم به استقبال هذا الكتاب.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}