نبض أرقام
03:37 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

تحصيل الديون تحت تهديد السلاح .. احتلال الأرض وانتهاك السيادة

2018/06/22 أرقام - خاص

بعد أن خرجت البلاد من حرب أهلية منهكة، دمرت خلالها الطرق والمباني والأراضي الزراعية، لم يجد الرئيس المكسيكي "بينيتو خواريز" أمامه الكثير من الخيارات التي تسمح له بإعادة البناء وتمويل الجيش في ظل إفلاس الخزينة العامة وركود حركة التجارة الخارجية.

 

 

وفي محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قرر الكونجرس المكسيكي في السابع عشر من يوليو/تموز 1861 وقف جميع مدفوعات الديون الخارجية بشكل مؤقت لمدة عامين إلى أن تستعيد البلاد عافيتها. ولكن المستثمرين الأجانب الحاملين لسندات الحكومة المكسيكية لم يعجبهم الأمر وطلبوا المساعدة من حكوماتهم.

 

المساومة على السيادة

 

- في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 1861، وقعت كل من بريطانيا وفرنسا وإسبانيا على اتفاقية دولية مشتركة، اتفقت خلالها القوى الاستعمارية الثلاث على استخدام القوة ضد المكسيك من أجل تحصيل الديون، وتم الاستشهاد باتفاقيات الدين التي وقعتها المكسيك خلال الفترة ما بين عامي 1851 و1853 كمبرر للعدوان.

 

- بعد أن انتشرت الشائعات حول التدخل العسكري المحتمل نيابة عن أصحاب السندات، حذرت الولايات المتحدة من أنها ستدافع عن استقلال المكسيك، غير أن واشنطن في ذلك الوقت لم تكن في وضع يسمح لها بالتهديد بالعمل العسكري، لأنها كانت منشغلة في شؤونها الداخلية عقب انفصال عدد من الولايات الجنوبية عن النظام الفيدرالي.

 

- لذلك لجأت الولايات المتحدة إلى وسائل غير عسكرية لمنع التدخل العسكري الأوروبي، واقترح السفير الأمريكي لدى المكسيك " توماس كوروين" توفير بلاده قرضًا تبلغ قيمته 9 ملايين دولار لتغطية التزامات المكسيك للقوى الثلاث.

 

 

- في سبتمبر/أيلول 1861، وافق الرئيس الأمريكي "أبراهام لينكون" على فكرة "كورين" بإبرام معاهدة تلتزم خلالها الولايات المتحدة بسداد الديون المستحقة لحاملي السندات المكسيكية في لندن لمدة 5 سنوات، على أن تقوم المكسيك لاحقًا بسداد تلك الأموال إلى واشنطن مقابل فائدة إضافية قدرها 6%.

 

- كان من المفترض أن يتم تأمين القرض الأمريكي بمساحة معينة من الأراضي والثروة والمعدنية في بعض الولايات المكسيكية، غير أن مجلس الشيوخ الأمريكي رفض هذا المقترح، وذلك بحسب ما ذكره أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة كاليفورنيا "فيندو أجروال" في كتابه "ألعاب الدين: التفاعل الإستراتيجي في إعادة جدولة الديون الدولية" الصادر في 26 أبريل/نيسان 1996.

 

- البريطانيون من جانبهم حاولوا تجنب الغزو في البداية، بعد أن اقترح الوزير المفوض بالبعثة الدبلوماسية البريطانية "تشارلز ويكي" عقد اتفاق مشترك مع المكسيك تلتزم خلاله الأخيرة بخفض رسوم الاستيراد المفروضة على البضائع البريطانية بنسبة 50%. وعلى الرغم من أن التجار البريطانيين أشادوا بهذه الخطة، إلا أن حاملي السندات عارضوها بشدة.

 

- كان اقتراح "ويكي" يتضمن أيضًا بندا يتيح لوكلاء من القنصلية البريطانية بالإشراف على الموانئ والمنافذ الجمركية المكسيكية، وهو الاقتراح الذي رفضه الكونجرس المكسيكي واعتبره أمرًا غير مقبول.

 

بعد ذلك انهارت المفاوضات وأعلن "ويكي" أن الأمر ستتم تسويته عبر استخدام "القوة الغاشمة".

 

العدوان .. توريط المكسيك في المزيد من الديون

 

- استعدت الدول الثلاث للغزو، وهبطت القوات الإسبانية على الأراضي المكسيكية في ديسمبر/كانون الأول عام 1861، قبل أن تلحقها القوات البريطانية في الرابع من يناير/كانون الثاني 1862، وبعد 4 أيام انضمت إليهما القوات الفرنسية الأكبر عددًا.

 

- كان الهدف المعلن الذي توافقت عليه القوى الثلاث هو التهديد والضغط على المكسيك من أجل حثها على استئناف مدفوعات الديون، غير أن فرنسا كانت تخفي رغبتها في غزو المكسيك وإلغاء النظام الجمهوري، وهو ما عارضه لاحقًا البريطانيون والإسبان الذين انسحبوا وأعلنوا أن اتفاقية أكتوبر/تشرين الأول 1861 لاغية وباطلة.

 

- انسحب البريطانيون والإسبان من المكسيك في أبريل/نيسان 1862، واستغرق الأمر عاما كاملا قبل أن تنجح القوات الفرنسية في هزيمة الجيش المكسيكي والوصول إلى العاصمة المكسيكية واحتلالها من أجل الإطاحة بالنظام الحاكم وتثبيت أركان نظام آخر.

 

 

- أعلنت فرنسا النمساوي "فرديناند ماكسيميليان" إمبراطورًا للمكسيك في العاشر من أبريل/نيسان 1864 بعد أن تم إجراء استفتاء مزور. وخلال فترة حكمه التي استمرت حتى عام 1867 سعى "ماكسيميليان" دون جدوى للحصول على دعم شعبي من خلال إطلاق بعض الإصلاحات الاجتماعية.

 

- كان من الواضح أن "ماكسيميليان" لم يكن أكثر من دمية تخدم مصالح فرنسا، حيث قضت قراراته الأولى بتحمل الحكومة المكسيكية لجميع النفقات التي تكبدتها فرنسا خلال تدخلها العسكري، بالإضافة إلى الالتزام بدفع جميع الديون الأجنبية على البلاد. وفي المقابل تولى "ماكسيميليان" القيادة الكاملة لأكثر من 20 ألف جندي فرنسي يساعدونه في بسط سيطرته على المكسيك.

 

- لم يكتف "ماكسيميليان" بذلك، بل ورط المكسيك في ديون جديدة، حيث قام على سبيل المثال بإصدار قرض دولي جديد في باريس ولندن بلغت قيمته 200 مليون فرنك فرنسي، بخصم قدره 50% على قيمته الاسمية، أي أن ما ستحصل عليه المكسيك يبلغ 100 مليون فرنك فقط، ولكن حتى هذا المبلغ لم تحصل عليه المكسيك كاملًا حيث تم الاحتفاظ بجزء كبير منه في فرنسا.

 

- سعى "ماكسيميليان" في أوائل عام 1865 للحصول على قرض آخر بقيمة 250 مليون فرنك. ومن أصل ديون بقيمة 560 مليون فرنك تعاقدت عليها المكسيك خلال فترة حكم "ماكسيميليان" لم يصل إلى البلاد سوى 34 مليون فرنك، وحتى هذا المبلغ ذهب أكثر من نصفه إلى وزارة المالية الفرنسية. أي أن المكسيك كانت ملزمة بخدمة ديون لم تحصل عليها من الأساس.

 

- وهكذا تمكن الأمير النمساوي الذي وضعته فرنسا على رأس السلطة من مضاعفة الديون الخارجية للمكسيك ثلاثة أضعاف خلال فترة حكمه التي اقتربت من الثلاث سنوات.

 

خرجوا خالين الوفاض!

 

- تلقت القوات الفرنسية هزيمة مريرة من قبل المقاومة المكسيكية، وفي فبراير/شباط 1867 انتهت الحملة العسكرية التي أرسلها "نابليون الثالث" وعاد "بينيتو خواريز" إلى القصر الرئاسي في ميكسيكو سيتي وانتهى الاحتلال.

 

- رفض "خواريز" الاعتراف بكل الديون التي تعاقد عليها "ماكسيميليان" وقام بإعدام الأخير في يونيو/تموز 1867، وأكد أيضًا على تنصله من الديون المتعاقد عليها من قبل الرئيسين السابقين للبلاد، والتي كانت السبب الرئيسي للغزو.

 

- قام "خواريز" فقط بسداد 3 ملايين بيزو كان قد اقترضها من الولايات المتحدة في عام 1865 أثناء الصراع ضد الاحتلال الفرنسي، وذلك بسبب حرصه على الحصول على دعم واشنطن في صراعه ضد القوى الاستعمارية.

 

 

- بعد أن عاد "خواريز" إلى السلطة قامت بريطانيا بالضغط عليه من أجل استئناف سداد الديون الخارجية، ولكن المكسيك ردت بأن هذه الديون أصبحت لاغية منذ لحظة مشاركة بريطانيا في الحملة العسكرية ضدها في عام 1862، وبعد اعترافها بنظام "ماكسيميليان". أصر المكسيكيون على عدم السداد، البريطانيون من جانبهم يأسوا.

 

- رفضت المكسيك أيضًا الاعتراف بالديون الفرنسية بسبب الغزو، وهو ما اضطرت فرنسا للقبول به في نهاية المطاف، وأعيدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بالكامل في عام 1880، وتخلت باريس عن مطالبة المكسيك بالاعتراف بالديون السابقة، وهو ما شكل انتصارًا هامًا للمكسيك.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.