"هل ما زال الأمر مرتبطًا بالأصوات في "الديمقراطية"، أم أن من يدفع أموالًا أكثر بوسعه توجيه السياسات العامة كما يريد؟"، أصبح هذا تساؤلًا شائعًا في الأوساط الغربية في الآونة الأخيرة مع اتساع نطاق عمل جماعات الضغط (اللوبي) التي يتزايد نفوذها في صنع السياسات بصورة مستمرة.
فباستخدام الأموال التي تدفع في تمويل الحملات الانتخابية، وإقحام موالين في الحياة السياسية كتنفيذيين أو تشريعيين، ومحاولات السيطرة التامة على وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، تبدو جماعات الضغط في يومنا هذا في حالة قوة استثنائية، لا سيما في مواجهة التصور التقليدي عن الدولة المسيطرة على وسائل الإنتاج والمحددة للسياسات العامة.
الاستثمار في السياسيين
ولا شك أن أول وسيلة تستخدمها جماعات الضغط هي إيصال سياسيين موالين لها لسدة الحكم، وعلى سبيل المثال فإن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما عرف بارتباطه بجماعات مصنعي السيارات، والذين كانت لهم مساهمات كبيرة في حملتيه الانتخابيتين، ولذلك بالطبع نتيجته الإيجابية على مصنعي السيارات الأمريكيين وفقًا لشبكة "إن.بي.سي" الأمريكية.
- أقر الرئيس الأمريكي خطة لإنقاذ الصناعة الأمريكية تستخدم بالأساس في رفع كفاءة استخدام الوقود وتحسين المحركات.
- إقرار برنامج واسع من أجل التخلص من السيارات "الملوثة" للبيئة والقديمة لصالح زيادة المبيعات من السيارات الجديدة (المحلية) لإنعاش الصناعة.
- تشجيع صناعة السيارات الكهربائية المحلية بهدف الوصول إلى مبيعات تقدر بنصف مليون سيارة سنويًا (وهو الهدف الذي لم ينجح في تحقيقه).
وفي بعض الأحيان لا تكتفي جماعات الضغط أو المصلحة بتمويل حملات انتخابية للسياسيين من أجل فرض أجندة سياسية عليهم، ولكنها تسعى لإقحام أحد ممثليها في مناصب تنفيذية أو تشريعية سعيًا لمدخل "مباشر" بصورة أكبر على صناعة القرار، والأمثلة على ذلك كثيرة، غير أن أبرزها انتقال ديك تشيني من صناعة النفط إلى موقع نائب الرئيس الأمريكي والقرارات التي اتخذتها الإدارة التي عمل بها (إدارة جورج بوش الابن) وصبت في مصلحة منتجي النفط.
صناعة كبيرة
وفي كثير من الأحيان ما لا تستثمر جماعات الضغط والمصلحة في السياسيين فقط، ولكنها تستثمر أيضًا في مراكز الأبحاث، مثل ما كشفته صحيفة "أبولا" البرتغالية عن قيام منتجي القهوة في البرازيل بتمويل مراكز أبحاث صحية بمبالغ تعدت المليوني دولار، من أجل إجراء أبحاث تكشف عن الفوائد الصحية للقهوة، كما قام منتجو زيت الزيتون بحملات مماثلة.
وكثيرًا ما توجه الشركات استثماراتها لمراكز الأبحاث الاقتصادية بهدف إصدار تقارير مثلًا حول فائدة تقليل الضرائب على الشركات ودور ذلك في تشجيع النمو، فعلى الرغم من أن هذه حقيقة في بعض الحالات إلا أنها لا تنطبق باستمرار، ولا شك أن مثل تلك التقارير تؤثر على توجهات المستهلكين والحكومات.
وتشير صحيفة جارديان إلى أنه في بريطانيا وحدها أنفقت جماعات الضغط والمصلحة "الرسمية" قرابة ملياري جنيه إسترليني على أنشطتها خلال عام واحد، ولا شك أن تلك الجماعات لم تنفق مثل هذه المبالغ دون أن تعود عليها بالنفع بما يفوقها بكثير.
بينما في الولايات المتحدة بلغ إنفاق جماعات الضغط قرابة 3.5 مليار عام 2017، وفقًا لتقديرات مركز "ريسبونسيف بوليتيكس" للدراسات، في ظل عمل قرابة 11.5 ألف شخص كـ"موظف في جماعة ضغط" في واشنطن.
وفي غالبية دول أوروبا ليس هناك اعتراف رسمي في النظام السياسي بفكرة جماعات الضغط الاقتصادية، غير أنها تعمل بالطبع ولكن دون إعلان رسمي، حتى أن صحيفة "ليكيب" انتقدت "عدم الشفافية" في عمل تلك الجماعات في فرنسا على سبيل المثال حيث يصعب تقييم حجم أعمالها أو تأثيرها على السياسة الفرنسية خلافًا للوضع في الولايات المتحدة وأستراليا.
وتكون الشركات في الولايات المتحدة ملزمة قانونًا بالإفصاح عما أنفقته على أنشطتها في مجال "الضغط" أو "اللوبي"، وفي عام 2017 فإن جوجل وحدها أنفقت 18 مليون دولار في هذا المجال، بينما أنفق فيسبوك 11.5 مليون، وأنفقت آبل 7 ملايين وأمازون 12.8 مليون دولار وأفادت كل تلك الشركات بأنها أنفقت هذه المبالغ في محاولة لـ"إقناع" المشرعين بجدوى القوانين التي تحمي الصناعات التكنولوجية وترسخ مفهوم الملكية الفكرية، وفقًا لمجلة "تايم".
وعلى الرغم من أن جماعات أخرى تعمل في مجال الضغط والمصلحة و"اللوبي"، مثل جماعات حقوق العمال وحماية البيئة وما شابه، إلا أن جماعات الضغط الاقتصادية تنفق مبالغ أكبر بكثير على تحقيق أهدافها حتى أن مجلة "أتلانتيك" تقدر أنه مقابل كل دولار تنفقه جمعية غير اقتصادية تنفق الجمعيات الاقتصادية 34 دولارًا.
"شراء" المصداقية
وكثيرًا ما تسعى جماعات الضغط إلى إيصال رسائلها من خلال طرف آخر له قدر أكبر من المصداقية، ومن ذلك ما كشفته صحيفة "جارديان": حول تمويل شركة فيليب موريس لإنتاج السجائر لشرطي سابق من أجل الظهور على شاشات الفضائيات للتأكيد حول خطورة استخدام التبغ الذي يباع غير ملفوف، وأن ذلك يزيد من عمليات التهريب عبر الحدود.
كما يسعى أي "لوبي" باستمرار للتحكم في الإعلام لكي تكون الرسائل الموجهة فيه ملائمة لمصالحه، وقد كان التحكم فيه في عصر سيطرة الإعلام التقليدي يتم من خلال استمالة الإعلاميين والبرامج مدفوعة الأجر وغيرها.
غير أنه مع عصر الإنترنت بدأت جماعات الضغط في اتباع أسلوب أكثر تعقيدًا، فوفقًا لصحيفة واشنطن بوست فإن الكثير من جماعات الضغط عمدت إلى التعاقد مع "شركات كتابة محتوى" تنحصر وظيفتها في كتابة مقالات وتقارير وأخبار إيجابية عن الصناعة (الشركة) بشكل يلائم محركات البحث بحيث تظهر تلك المقالات في الصفحة الأولى باستمرار، مستغلين في ذلك حقيقة أن أكثر من 70% من الباحثين لا يصلون إلى الصفحة الثانية في البحث عن مختلف الموضوعات وقد تزيد النسبة أيضًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}