نبض أرقام
01:24 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/25
2024/11/24

معضلة سعر صرف العملة.. الخفض أفضل أم الرفع؟

2018/07/07 أرقام - خاص

يعد سعر صرف العملة الوطنية من أهم التحديات التي تواجه أي دولة أثناء تحديد ملامح سياستها الاقتصادية العامة، فسعر صرف منخفض يعني تشجيع صادرات الدولة، بينما سعر صرف مرتفع ينعكس تلقائيًا في زيادة القوة الشرائية لعملة الدولة في مواجهة العملات الأخرى وبالتالي حصولها على واردات بأسعار منخفضة نسبيًا.

 

 

صراع على قيمة العملة

 

وبسبب أهمية سعر الصرف اقتصاديًا في العلاقات بين الدول، فإن إحدى الصراعات الاقتصادية المستعرة خلال العقد الماضي تعلقت باليوان الصيني، حيث اعتادت الولايات المتحدة ومعها أوروبا الشكوى من تخفيض بكين لسعر عملتها الوطنية بما يمنحها ميزة نسبية في مواجهة الدول الأخرى التي تترك لآليات السوق الحر تحديد قيمة عملتها مع تدخل محدود (مقارنة ببكين) من البنوك المركزية الوطنية.

 

يأتي ذلك في الوقت الذي توجه فيه القيادة التركية دعوات لمواطنيها من أجل بيع ما لديهم من عملات أجنبية لدعم سعر الصرف الوطني، وتبذل الكثير من الدول النامية جهودًا مضنية من أجل الحفاظ على احتياطي نقدي من العملات الأجنبية يعينها على الحفاظ على قيمة عملتها الوطنية دون انخفاض، فما الذي يجعل دول تحاول الحفاظ على قيمة عملاتها الوطنية دون انخفاض وأخرى تسعى لخفضها؟

 

تبدو الإجابة البديهية هنا: لأن دولًا تصدر الكثير لذا فإن خفض سعر عملتها يفيد في تدعيم ميزتها النسبية، بينما أخرى لا تفعل وبالتالي لا يفيدها الخفض، غير أن الإجابة أعقد كثيرًا من ذلك.

 

فيما يتعلق بالصين على سبيل المثال فإنه مع وصولها لمعدلات نمو قياسية خلال العقدين الماضيين أصبح الاقتصاد يقترب رويدًا رويدًا من صفات الاقتصادات "الأكثر نموًا" والتي تعجز بشكل عام عن تحقيق معدلات نمو مرضية بسبب وصولها لدرجة من التشبع الاقتصادي والاستغلال شبه الأمثل للموارد في ظل معدلات إنتاج ثابتة بما يحد من القدرة على النمو.

 

حفاظًا على النمو

 

لذا فقد كانت الوسيلة المثلى لضمان استمرار النمو هو خفض سعر العملة بشكل محسوب يضمن استمرار زيادة الطلب العالمي على الصادرات الصينية ومن ثم يعمل على مساعدة الاقتصاد على النمو بشكل عام، لا سيما إن كان تخفيض العملة يزيد الصادرات بنسبة تفوق التخفيض ذاته.

 

 

وتمكنت الصين بناء على ذلك من تحقيق زيادة في صادراتها بنسبة 8% تقريبًا خلال عام 2017 لتصل إلى 2.27 تريلون دولار، ولا شك أن سعر اليوان المنخفض يساهم في ذلك، غير أن السعر المنخفض لليوان جعل الواردات تزيد بنسبة 15% خلال العام نفسه في نسبة قياسية غير مسبوقة.

 

وعلى الجانب المقابل تأتي تركيا في المرتبة 11 في العالم بإجمالي صادرات يصل إلى 157 مليار دولار لعام 2017، بنسبة زيادة تصل إلى 10%، غير أن الواردات زادت إلى 234 مليار بزيادة 18%، ولا شك أن هذا من شأنه أن يجعل أنقرة حريصة على رفع قيمة عملتها بينما الصين العكس.

 

ومع الاختلال العنيف في الميزان التجاري لمصلحة الواردات فإن الكثير من الدول لا تستطيع المغامرة بتقليل قيمة عملتها الوطنية لما في ذلك من انعكاسات سلبية للغاية تتمثل في زيادة معدلات التضخم بشكل مضطرد.

 

القيمة المضافة.. المحدد الأهم

 

والأهم من حجم الصادرات والواردات ونسبة زيادة كل منهما يبقى طبيعة تلك الصادرات، فالصادرات الصينية مثلًا تتركز على المنتجات المصنعة والآلات، والتي تشكل قرابة نصف الصادرات الصينية، أما تركيا فتصدر الملابس والأطعمة والفحم والورق لبقية دول العالم.

 

ويشير هذا إلى أن القيمة المضافة للمنتجات الصينية أعلى من مثيلتها للمنتجات التركية، مما ينعكس مباشرة على أن الصين بوسعها أن تخفض قيمة عملتها آخذة في الحسبان أن ما تضيفه للمنتجات أكبر كثيرًا من قيمة المنتجات الأولية التي تحصل عليها (والتي تشكل غالبية وارداتها)، لذا فإن الخفض في الواقع تقليل من القيمة المضافة التي تجنيها مقابل زيادة كبيرة في الصادرات تعوض وتفوق تأثير الخفض.

 

 

وفي المقابل فإن الدول التي تعتمد على الصادرات من المواد الأولية أو تلك التي لا تخضع لعمليات تصنيع تزيد من القيمة المضافة لا تستطيع المغامرة بخفض قيمة عملتها لأن من شأن ذلك زيادة القيمة النسبية لما تدفعه من أجل الحصول على المواد ذات القيمة المضافة العالية نسبيًا.

 

وتبقى عوامل أخرى هامة أيضًا مثل الرغبة في السيطرة على معدلات التضخم أو معدلات الدين العام من خلال رفع سعر الصرف، غير أن العامل الأهم يبقى في طبيعة الصادرات التي تبيعها الدولة وما إذا كانت أسواق تسيطر عليها أم أنها "أسواق مشتر" تخضع لإرادة المشتري وليس البائع، وهو ما ينطبق على الدول التي تصدر سلعًا غير مميزة لا تتمتع فيها بميزة نسبية واضحة تجعلها قادرة على فرض أسعار سلعها بدلا من تركها لسيطرة العرض والطلب.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.