على الرغم من أن الديمقراطية تعد الطريقة التي اختارتها دول كثيرة حول العالم من أجل إرساء قواعد للنظام السياسي لتقلل حدة درجة الصراع على السلطة وتضع له حدودًا واضحة، إلا أنها ليست نظامًا بلا عيوب، حيث إن "الجماهير" قد لا تمتلك الثقافة الكافية التي تعينها على التصويت بشكل كفء، كما قد لا تحصل على المعلومات اللازمة لذلك.
مواطنون ولكن!
وعلى سبيل المثال فقد أجرى مركز "أنانيبريج" للسياسات العامة استطلاعًا لأكثر من ألف أمريكي، اتضح فيه أن ربعهم فقط قادر على تسمية السلطات الثلاث، القضائية والتشريعية والتنفيذية، وأن ثلثهم لم يستطيعوا معرفة أي سلطة من الثلاث سلطات على الإطلاق.
ولعل هذا هو ما دفع الاقتصادية "دمبيسا مويا"، التي لها أصول زيمبابوية وتعمل في الولايات المتحدة، إلى تقديم كتابها "على حافة الفوضى: لماذا تفشل الديمقراطية في تحقيق النمو الاقتصادي.. وكيف يمكن إصلاح ذلك؟"، حيث طرحت فيه رؤية أثارت جدلًا كبيرًا بمطالبتها ألا تكون أصوات المواطنين في نفس الدولة على قدم المساواة.
فـ"مويا" ترى أن غالبية الناخبين يعانون من "قصر النظر" الذي يحول بينهم وبين تحديد السياسات الملائمة لتحقيق الرفاهية الاقتصادية، وباختياراتهم الخاطئة في الانتخابات يؤذون أنفسهم ويؤذون الآخرين أيضًا، بما يجعل لزامًا أن يتغير نظام الديمقراطية ككل، وليس استبدالها من خلال نظام آخر.
وبناء على ذلك تطالب "مويا" بأن يوضع في كل دولة نظام يجعل لأصوات المتعلمين فيها وزنًا نسبيًا يفوق الوزن النسبي لأصوات غير المتعلمين، على أن يزداد هذا الوزن كلما زادت "المؤهلات" الشخصية، بل وتقترح إجراء "اختبارات" تحدد الوزن التصويتي النسبي لكل شخص قبل أن يخوض العملية الانتخابية.
أمثلة للإخفاق
واللافت هنا أن "مويا" الحاصلة على الماجستير من جامعة "هارفارد" والدكتوراه من "أكسفورد" وعملت في البنك الدولي و"جولدمان ساكس" وهي سمراء من أصل أفريقي، ومن المنتظر أن تحصل على الجنسية الأمريكية قريبًا، بما يعكس أن نظراءها في الماضي عانوا تمييزًا عنصريًا منعهم من التصويت بسبب اللون، إلا أنها تدعو لذلك بناء على درجة التعليم.
وعلى الرغم من إقرارها بأن ما تطرحه قد يتناقض مع جوهر الديمقراطية، إلا أنها تؤكد على أن البديل استمرار الديمقراطية في حالة من عدم الكفاءة التي تحرّض المواطنين الذين يعيشون في نظم ديمقراطية أن يتمردوا عليها لصالح أنظمة أخرى قد تكون أقل كفاءة، ولها آثار سلبية سياسيًا واجتماعيًا.
وتدلل "مويا" على طرحها بأن الديمقراطية تراجعت بشدة في دول مثل تركيا والمجر وفنزويلا، وكان السبب المباشر وراء ذلك معاناة تلك الدول من تراجع اقتصادي، بما يعني أن الاختيارات "غير الموفقة" التي يتخذها الناخبون في بعض الدول قد تقودهم إلى تدمير النظام الديمقراطي، بل إنه مع تدهور الأوضاع في العديد من الديمقراطيات فإن تقارير جمعيات حقوقية أشارت إلى أن 70% من النظم الديمقراطية أصبحت ترتكب ممارسات يصعب تمييزها عن تلك الديكتاتورية.
وترى "مويا" أن الاقتصاد هو الذي يدفع الدول للفشل سياسيًا واجتماعيًا وهو حجر الزاوية في النجاح من عدمه، ومن ثم يصبح "نظام الجدارة" في التصويت هو الحل لمواجهة تراجع الدول اقتصاديًا بفعل اختيارات مواطنيها.
الرأي للمتخصصين
ووفقًا للاقتصادية البارزة، فإن دولًا مثل الصين وتايوان وتشيلي نجحت في تحقيق النمو الاقتصادي الاستثنائي خلال الأعوام الأخيرة بسبب نظامها السياسي الذي يحرص على أن يتخذ القرارات السياسية من المتخصصين بعيدًا عن التأثيرات الشعبوية التي قد تجعل القرارات "مطلوبة" أو ذات شعبية كبيرة لكن دون"فاعلية".
وتضيف "مويا" في كتابها أننا نتجه إلى عالم تتزايد فيه التدخلات الحكومية في الاقتصاد على حساب اقتصاد أكثر حرية بالتدريج، وهو ما سيجعل الأنظمة الديكتاتورية تتمتع بمزايا أكبر من نظيرتها الديمقراطية ويؤكد حتمية إعادة النظر في آليات النظم الحرة للاختيار السياسي.
والسبب وراء ذلك –وفقا لـ"مويا"- أن لدى الديمقراطيات مرض "التذبذب" والذي تعني به عدم استمرار الحكومات –وبالتالي السياسات التي تطبقها- لفترات طويلة، بما يجعلها تفتقر للاستقرار وعنصر "التوقع" في الاقتصاد وهو ما يمنح الدول غير الديمقراطية أحيانًا ميزة على نقيضتها.
وترى "مويا" أيضًا ضرورة لزيادة "القدرات التنافسية" للحكومات في الدول الديمقراطية في مواجهة القطاع الخاص، مشيرة إلى أن ضعف رواتب التشريعيين والتنفيذيين يجعل العناصر المؤهلة تتجه بصورة تلقائية للقطاع الخاص الذي لا يعاني نفس الضغوط العامة التي تعانيها الحكومات ويتلقى أهل الخبرة فيه رواتب قياسية.
وبدعواتها تلك فإن كثيرا من النقاد يرون أنها تهدم أسس نظام الديمقراطية القائمة على مفهوم المواطنة والصوت المتساوي المتاح للكل، بينما أيدها البعض بوصفه طرحا "ثوريا"، ودعا آخرون إلى تبصير الرأي العام بالحقائق وتثقيفه بدلًا مما اقترحته لضمان بقاء معايير ديمقراطية سليمة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}