ترصد تحليلات وتوقعات كثيرة في الوقت الراهن، تأثير الحرب التجارية التي اشتعلت بين الصين والولايات المتحدة، وربما أطراف أخرى في المستقبل، على آليات الاستثمار حول العالم، وسط آراء متناقضة حول الاستراتيجيات التي على الشركات اتباعها من أجل تقليل مخاطر تلك الحرب وانعكاسها السلبي عليها.
استراتيجيات للشركات
ويؤكد "روبين أوبينهايمر" مسؤول المخاطر في مجموعة "جولدمان ساكس"، في تصريحات لشبكة "سي إن إن" الأمريكية أن الشركات عليها الاتجاه أكثر إلى المحلية، بمعنى أن تكون استثماراتها قريبة للغاية من مكان الاستهلاك. وعلى الرغم مما سيفرضه هذا من إعادة تحويل كبيرة لخطوط الإنتاج من دول إلى أخرى، فإن هذا يبقى أفضل من بقاء الإنتاج حبيس دول بعينها.
ووفقًا لـ"أوبينهايمر"، فإن العديد من الشركات بدأت تدرس بالفعل إقامة مراكز إنتاج متعددة في دول جديدة، بحيث يكون بوسعها التمتع بالمرونة في مواجهة القيود المتوقعة، فتتوجه منتجاتها من بلد لا تخوض الحروب التجارية، أو ليس لديها نزاع مع الدولة المستوردة إلى موانئ الأخيرة، بدلًا من أن تخضع باستمرار لعقوبات اقتصادية مفاجئة قد تفقدها نسبًا كبيرة من مبيعاتها.
وتنصح شبكة "سي إن بي سي" الشركات بأكثر من نصيحة بعد لقائها عددًا من الخبراء الاقتصاديين في مواجهة المرحلة المقبلة:
- عرف المخاطر باستمرار: تأكد دائمًا أن ما لديك من أموال وديون وأصول وخصوم، ملائمة للشركة، وأنك تستطيع البقاء أيًّا كانت حالة السوق. وهذا يستلزم -بادئ الأمر- عدم الحصول على قروض غير ضرورية، لا سيما في ظل الأخطار الكبيرة التي تهدد الأسواق المالية بالفعل؛ بسبب الديون الرديئة "غير الجيدة" بشكل عام.
- وزع استثماراتك: ففي ظل الحروب التجارية، فإن الاستثمارات الصغيرة قليلًا ما تحظى بالاهتمام، فيمكن أن يكون رأسمال الشركة عشرات المليارات، لكنها توزع استثماراتها على عشرات المجالات، بما يجعل استهداف تلك المجالات جميعًا في وقت واحد صعبًا، كما أن الكثير منها قد لا يلقَى اهتمامًا، على الرغم من صعوبة ذلك إداريًّا وعلى المستوى التنفيذي أيضًا، إلا أنه يبقى ضروريًّا.
- التمويل قد يكون الملجأ: مع صعوبة حركة السلع، يمكن أن تكون حركة الأموال بديلًا، من خلال تمويل المشاريع ذات الصبغة الأكثر محليةً في الدول المختلفة، بحيث يمكن تجاوز العقوبات التجارية، والحصول على عائدات جيدة بالحد الأدنى من المخاطر.
لا حركة إلى الآن.. لماذا؟
ويبقى السؤال عن السبب وراء عدم قيام الشركات باتخاذ تلك الإجراءات بشكل عام، على الرغم من بدء الحرب التجارية بالفعل، ويمكن تأكيد أن لذلك أكثر من سبب.
ويقول "إيريك إنس" نائب رئيس غرفة التجارة الأمريكية الصينية، في تصريحات لـ"واشنطن بوست": "من المؤسف للغاية أن تلجأ واشنطن وبكين إلى المواجهة؛ ليس فقط لأن هذا يضر بالغرفة نفسها، بل ولأن هناك أكثر من 34 مليار دولار من التجارة تضررت بالفعل، ولا نعلم كيف يتطور الأمر بعد ذلك. والكل خائف بسبب ذلك".
واللافت هنا أنه في الوقت الذي تبدو فيه الأسواق الأمريكية "مطمئنة"، فإن هناك مخاوف صينية من أن تعود بكين إلى أزمة عام 2015، التي تراجع فيها مؤشر شنجهاي بنسبة 50% خلال 6 أشهر، وفقد اليوان 5% من قيمته؛ بسبب ما ساد الأسواق من قلق حينها نتيجة تراجع معدلات النمو الصينية، قبل أن يتعافى الاقتصاد مجددًا.
الضرر قادم لا محالة
وتشير "فوربس" إلى أن الصين تبدو المتضرر الحقيقي من الحروب الاقتصادية؛ ففي ظل اقتصاد أمريكي منتعش وبه نسب توظيف قياسية، تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل مواجهات اقتصادية طويلة نسبيًّا، قياسًا ببكين التي تبذل قصارى جهدها لدفع الأوروبيين إلى الوقوف بجانبها في مواجهة واشنطن. بالتأكيد أن أوروبا ستتضرر لاحقًا من السياسات الأمريكية، وهو ما يبدو أنها نجحت فيه مع أوروبا "جزئيًّا"، وحتى اليابان التي تخشى على صناعة سياراتها، ولا سيما "تويوتا".
وينبه "كرسيتن كيلر" رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية في بنك "بركليز"، إلى أنه على الرغم من أن الضرر الأكبر قد يصيب الصين وليس الولايات المتحدة، فإن تباطؤًا كبيرًا للاقتصاد الصيني –إذا حدث- مع أزمة الديون المستحدثة هناك، من شأنه أن يؤثر بالسلب على الاقتصاد العالمي ككل؛ ما سيعود بالضرر عاجلًا أو آجلًا على واشنطن.
غير أن الانخفاض النسبي في قيمة اليوان، مع اشتعال الحروب التجارية، من شأنه أن يجعل بكين تتخطى تأثير الجمارك الأمريكية على سلعها، وإن كان سيعكس اضطرار بكين إلى بيع سلع أكثر لتحقيق الإيرادات التي تحققها حاليًّا؛ ليبقى الضرر مؤكدًا للجميع إذا استمرت الحرب في التصاعد من دون ضابط، ويكون على الشركات اتخاذ إجراءات تحميها مع تزايد حالة "غياب اليقين" في الاقتصاد بشكل عام.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}