في الوقت الذي يحقق في الاقتصاد الأمريكي نموًا مرضيًا للغاية بمعدلات تناهز الـ3%، وتتدنى نسبة البطالة إلى أقل مستوياتها منذ بداية الألفية الحالية، وتحقق الشركات عائدات استثنائية، يبدو أن سحبًا من التشاؤم بدأت تتصاعد إلى سماء اقتصاد واشنطن.
العام المقبل أو الذي يليه
فوفقًا لما كشفته شبكة "سي.إن بي.سي" فإن 75% من الأثرياء الأمريكيين يتوقعون ركودًا سوف تشهده اعتبارا من العام المقبل (2019) أو الذي يليه (2020)، مع انتهاء حالة الانتعاش التي يعيشها الاقتصاد حاليًا في غضون أشهر، وذلك للعديد من الأسباب المرتبطة بالدين العام وسعر صرف الدولار وغيرها.
ويقول الاقتصادي "كارل تانيمبام" للشبكة التلفزيونية إن الاقتصاد الأمريكي يشهد نموًا لأسباب جميعها استثنائية وغير قابلة للاستمرار وفي مقدمتها تخفيضات الضرائب والنفقات الحكومية الكبيرة والتعديلات على قوانين العمل، مما يرجح ألا تكون دفعة النمو الحالية غير قادرة على الاستمرار فيما بعد عام 2019 إن بقت مستمرة خلال العام القادم.
والفكرة أن كل تلك السياسات تبدو في إطار وعد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إبان حملته الانتخابية بالوصول إلى معدلات نمو تتعدى 4% قبل نهاية فترته الرئاسية، على الرغم مما يعنيه ذلك من ضغوط كبيرة على سوق العمل والميزانية الفيدرالية، أو كما وصفت "إيكونوميست" قبل ذلك برفع "حرارة المحرك" بما يفوق قدرته على التشغيل.
وتشير شبكة "سي.إن.إن" إلى مساعدة خفض الضرائب على رواج الاقتصاد بالطبع، لكن يجب الانتباه إلى أن الحكومة الأمريكية تعاني عجزًا في الموازنة قد يفوق التريليون دولار في غضون العامين المقبلين، (مع إجمالي دين عام 21 تريليون دولار في 2018) ومع استمرار خفض الضرائب تبدو قدرة الحكومة الأمريكية على تمويل أنشطتها وسد ديونها محل تساؤل.
ويرصد موقع "ذا بالنس" وصول الدين الأمريكي إلى 102% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يفوق كثيرًا الحدود الآمنة التي حددها صندوق النقد الدولي بـ77% فقط.
العمالة تهديد جديد
وتحذر صحيفة "وول ستريت جورنال" من أن الاقتصاد الأمريكي قد يلقى مصيرا شبيها بما حدث في إحدى مدن ولاية "إنديانا" التي اضطر "كنتاكي" و"ماكدونالدز" لغلق فرعيهما في تلك المدينة بسبب عجزهما عن توفير العمالة بالأجر المعتاد -للعمالة قليلة المهارة- (8 دولارات في الساعة) بل وحتى بأجور أعلى قليلًا.
فعلى الرغم من أن الشركات الأمريكية لم تقم برفع الأجور حتى الآن بشكل كبير لمواجهة انخفاض نسبة البطالة بما يؤشر لنقص العرض من العمالة، حيث ارتفعت الأجور بنسب تتراوح بين 2-6.7% فقط وفقًا لطبيعة الوظيفة، غير أن الأمر لن يستمر هكذا مع عجز الشركات عن توفير العمالة اللازمة بما سيجبرها على رفع الأجور.
وتبدو الأزمة هنا أن رفع الأجور سينعكس تلقائيًا في رفع المستوى العام لمستوى السلع الأساسية، بسبب حصول المستهلكين الرئيسيين على قوة مالية إضافية جديدة، مما سيؤثر على مستوى التضخم العام تلقائيًا، وإن كان بنسب قليلة لانخفاض نسبة الإنفاق على السلع الأساسية بالنسبة لغالبية الأمريكيين.
وبدأت بعض الشركات مثل تلك العاملة في الصناعات الثقيلة ولا سيما الحديد والصلب في المعاناة لجذب العمالة، حتى أن بعضها يعرض على العاملين الحصول على أجر إضافي 500-1000 دولار إذا استمر العامل لأكثر من 90 يومًا، بما يوحي بوجود منافسة كبيرة بين الشركات على الحصول على تلك العمالة المدربة وعدم استمرار الأخيرة لفترات طويلة في ظل تلقيها عروضًا أفضل باستمرار.
الدولار الضعيف وأشياء أخرى
ويأتي اتجاه الدولار للانخفاض مع إصرار "ترامب" على أن "دولارًا قويًا" ليس من مصلحة بلاده، بما سيكون له أكثر من تأثير سلبي على الاقتصاد الأمريكي أولها إحجام المستثمرين والمدينين عن التعامل مع واشنطن في ظل عملة متراجعة، وثانيها تغذية التضخم، الذي يرتفع بالفعل في البلاد، بمصدر آخر من خلال ارتفاع أسعار الواردات كلها.
وما يبقى هذا الأمر دون التأثير بشدة على الولايات المتحدة سلبًا، هو ما أشارت إليه وكالة "رويترز" من أن المستثمرين واثقون من استعادة الدولار كثيرًا مما فقده إن عاجلًا أو آجلا بفعل قوة دفع المؤشرات الاقتصادية المنفجرة للاقتصاد في المرحلة الحالية، غير أن بقاءه في مستويات متراجعة طويلًا قد يهدد تلك الثقة.
وهناك مخاوف أخرى على الاقتصاد الأمريكي، لعل أبرزها ارتفاع أسعار النفط، فعلى الرغم مما أثبته صندوق النقد حول عدم تأثير ذلك بشكل كبير على النمو، إلا أن ثقة المستهلكين تتأثر كثيرًا بفعل ارتفاع أسعار النفط بما ينعكس سلبًا على مستويات الإنفاق والرواج وبالتالي النمو.
كما أن الحروب التجارية تبدو بمثابة "الفيل في الغرفة" الذي لا يرغب أحد في الإقرار بوجوده في أمريكا حتى الآن، حيث يتعامل غالبية الناس في واشنطن من (مستثمرين ومستهلكين) كما لو أنهم لم يبدؤوا للتو حربًا تجارية لا يعلم أحد متى تنتهي، خاصة في ظل ما تصفه "بيزنيس إنسايدر" بعدم وجود خطة واضحة لواشنطن في تلك الحرب، بعيدًا عن التهديدات الأخرى التي يقرون بوجودها وتثير سحبًا من التشاؤم في ظل أداء استثنائي "حاليًا" للاقتصاد الأمريكي.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}