في عام 2011 قام باحثان أمريكيان، "مايكل كاي" و"سكوت جولدر"، ببدء مشروع بحثي قاما من خلاله بجمع 500 مليون تغريدة مليوني مستخدم من 84 دولة على مدى عامين على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" وأخضعوها لتحليل بواسطة برامج إحصائية متقدمة بغية الوصول إلى استنتاج علمي حول أفضل أوقات اليوم بالنسبة للإنسان.
احذر الظهيرة
وجاءت نتائج الدراسة لافتة بالتأكيد إلى أن الناس –وفي كافة أوقات العام وبعيدًا عن تأثير الأحداث العارضة- يميلون لبدء يومهم صباحًا بشكل عام أكثر إيجابية، ثم يبدأون في النزوع للتشاؤم حتى منتصف اليوم، لتبدأ رحلة عودتهم نحو التفاؤل والاتجاهات الإيجابية مجددًا حتى حلول الليل.
هذه الدراسة كانت السبب وراء تقديم "دانيل بينك" لكتابه "متى: الأسرار العلمية لاختيار التوقيتات المناسبة"، الذي يراه الكاتب بمثابة "دليل" ليتمكن الناس من اتخاذ قراراتهم في التوقيت الأنسب بما يجعل القرار صائبًا بدرجة أكبر.
وببساطة، ووفقًا لـ"بينك" فإن قدرتنا على اتخاذ القرارات تكون أفضل صباحًا، وتقل هذه القدرة في وقت الظهيرة، ويرجع السبب وراء ذلك إلى أن الأحداث اليومية التي نمر بها تؤثر في قراراتنا وفي حالتنا المزاجية بشكل كبير، يفوق حتى تصرفاتنا الشخصية واعتقاداتنا عن تأثير تطورات الأحداث اليومية الصغيرة علينا، قبل أن يبدأ تأثير تطورات اليوم في التراجع ليلًا.
ويؤيد هذا الاستنتاج دراسة دنماركية حول نتائج الطلبة في الامتحانات، حيث تكشف الدراسة أنهم يحققون نتائج أفضل بوضوح، وبنسب تفوق 20% أحيانًا، عندما يجرون الامتحانات في فترة الصباح مقارنة بإجرائها في فترة الظهيرة، وأن نسبة تحصيلهم أيضًا تتزايد صباحًا عنها في المحاضرات المتأخرة في فترة الظهيرة.
لماذا؟
فالناس تستيقظ صباحًا ودرجة حرارتهم منخفضة نوعًا ما، ويبدأون في "الإحماء والتسخين" حتى تصل درجة الحرارة والتركيز إلى قمتها، قبل أن تبدأ درجة الحرارة في التراجع أو في التزايد بشكل يؤثر على مستويات الأداء وتقل القدرة على التركيز تدريجيًا حتى تصبح في أدنى مستوياتها.
وهناك بعض الناس الذين يشبهون "الوطاويط" في تفضيلهم العمل ليلًا وتزيد إنتاجيتهم خلاله، وهؤلاء غالبًا ما يولدون في فصلي الربيع والصيف، بينما هؤلاء الذين يولدون في الشتاء والخريف غالبًا ما يحبون العمل صباحًا مثل الطيور المغردة، إلا أن كليهما لا يعملان جيدًا في فترة الظهيرة.
ولعل هذا هو ما يدفع العديد من الأماكن مؤخرًا إلى الموافقة على منح موظفيها ولو 10 دقائق خلال اليوم في فترة الظهيرة ليحصل الموظف فيها على غفوة سريعة، تمكنه من العودة للعمل بنشاط وحيوية أكبر، وتزيد معدلات الإنتاجية للعاملين الذين يحصلون على هذه "الغفوات" عمن لا يحصلون عليها.
وبشكل عام فإن غالبية الناس يبدأون في التراجع ذهنيًا وبدنيًا بعد مرور قرابة سبع ساعات من وقت استيقاظهم، وهو ما يجعل الغالبية تعاني من غياب التركيز في فترة الظهيرة ويزداد معدل ارتكاب الأخطاء لا سيما في الوظائف التي تحتاج إلى الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للعمل.
العمر به "توقيتات" أيضًا
ولا تقتصر أهمية التوقيت على الفترة الزمنية خلال اليوم فحسب بل تمتد إلى عمر الشخص ككل، حيث يؤكد "بينك" في كتابه أن الشخص يكون "مزدهرًا" منذ نهاية فترة المراهقة وحتى منتصف الثلاثينيات من العمر، ثم يبدأ في الانتعاش مجددًا في مرحلة الخمسينيات، ويعتبر ذلك بمثابة "صفعة" منتصف العمر وليس أزمته لأن الشخص كثيرًا ما يفقد أكثر فترات حياته إنتاجية بسبب حالة السلبية أو اللامبالاة التي تصيب الكثيرين خلال تلك المرحلة.
ويلاحظ "بينك" قيام كثيرين باتخاذ قرارات والقيام بأفعال مهمة في حياتهم في السنة التاسعة للعقد الذي يمرون به (29،39،49،59) حيث يشعرون أنهم مطالبون بتغيير العمل أو الزواج أو بدء مشروعهم الخاص قبل بلوغهم الـ30 أو الـ40 وهكذا.
ويبدو الاقتراب من بلوغ العقد هنا دافعًا للتحرك، لكنه في كثير من الأحيان يشكل "ضغطًا" غير منطقي على الشخص يدفعه للتسرع في القيام بخطوات قد لا تكون محسوبة بدقة تحت شعوره بـ"اقتراب النهايات"، لذا عليه التأكد من اعتباره الاقتراب من الثلاثينيات أو الأربعينيات أو الخمسينيات بمثابة دافع وليس عنصر ضغط لاختلاف النتيجة جذريًا في الحالتين.
وفيما يتعلق بـ"التوقيت" أيضًا فإن الكثيرين يميلون إلى "تضييق" الدائرة التي يتعاملون معها مع التقدم في السن، وليس هذا لأسباب "انعزالية"، وفقًا لما يقول "بينك" ولكنه لقرارهم بالتمتع بأولويات واضحة في الحياة ولعدم إهدار الطاقات والأوقات فيما لا يعتبرونه أولوية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}