يهتم كثيرون بنوعية الاستثمار الأكثر حصدًا للأموال، وبناء على ذلك يوجهون أموالهم للذهب أو الأسهم أو السندات أو العقار أو غير ذلك، ويهمل غالبيتهم حقيقة أن الاستثمار في الصحة قد يكون "الأهم" في حياة الشخص، وقد يشكل العلامة الفارقة حتى من الناحية الاقتصادية له.
الإنفاق على الغذاء
وتتحكم التغذية بصورة كبيرة في تمتع الإنسان بصحة جيدة من عدمه، وتقدر دراسة لجامعة "هارفارد" تكلفة الحصول على طعام "أكثر ملاءمة" للصحة في الولايات المتحدة بحوالي 1.5 دولار يوميًا، أي حوالي 45 دولارا في الشهر، بما يشكل نسبة ضئيلة للغاية من متوسط الدخل الشهري الأمريكي، وعلى الرغم من ذلك لا تلتزم غالبية العائلات بالتغذية الصحية، لا في الولايات المتحدة ولا خارجها.
وتشير الدراسة إلى أن هذا المبلغ اليومي الزهيد من شأنه تجنيب الشخص الإصابة بمرض السكري بأنواعه مثلًا، باهتمامه بتناول الخضراوات العضوية، وتجنب الأكل مسبق الإعداد، ليصبح الأمر هامًا من الناحية الاقتصادية –بجوار الصحية بالطبع- في ظل أن مريض السكر مثلًا ينفق 2.3 ضعف ما ينفقه غير المصابين به على الرعاية الصحية.
وبناء على ذلك يمكن النظر إلى إنفاق الدولار ونصف الدولار على أنه "صفقة اقتصادية رابحة" وفقًا للدراسة، فمريض السكر ينفق قرابة 7900 دولار سنويًا لتلقي العلاج المناسب، بينما عليه إنفاق 550 دولارا سنويا فقط لتجنب الإصابة بالمرض، لتبدو الصحة مقترنة مع التوفير أيضًا.
وكلما تحسنت الحالة الصحية أقبلت شركات التأمين على التأمين على صحة الشخص بتكلفة أقل، فوفقا لموقع "ويز بريد" المتخصص في شؤون الصحة، فهؤلاء الذين يمارسون الرياضة بانتظام ويحصلون على تغذية صحية قد يوفرون ما يزيد على 30% من تكلف التأمين الصحي التي يتكبدها هؤلاء الذين لا يفعلون ذلك.
صحة أفضل=أجرا أعلى
بل ويكشف موقع "موني إنك" عن ارتفاع نسبة حصول هؤلاء الذين يحصلون على أقل من 7 أيام إجازة مرضية سنويًا في الحصول على الترقيات والأجر الإضافي عن هؤلاء الذي يحصلون على أكثر من 7 أيام بنسبة 40%.
وتظهر دراسة لجامعة "ييل" وجود علاقة عكسية مستمرة بين الأجر ومعدل الحصول على الإجازات، وتظهر تلك العلاقة بصورة أوضح في الوظائف الإدارية والفنية بكافة أنواعها فضلًا عن العاملين في الصيانة، حيث تتطلب تلك الوظائف "تواجد الموظف ماديًا" في مكان عمله باستمرار ولا ترتبط بالإنتاج فحسب كبعض الوظائف الأخرى.
وتضيف الدراسة أن من يعانون من "العادات الثلاث السيئة"، "شرب الكحوليات والتدخين بشراهة والسمنة المفرطة"، أكثر عرضة لخسارة وظائفهم من هؤلاء الذين لا يعانونها بنسبة تقترب من الضعفين، وتزداد النسبة بشكل مضطرد إذا كان الشخص مدخنًا ويعاني السمنة في نفس الوقت على سبيل المثال، أو حتى إذا اقترنت عادة التدخين بمرض مثل السكري أو الضغط المرتفع أو غيره من الأمراض المزمنة.
الأمراض المزمنة عائق
ولا تقتصر "العادات السيئة" التي تؤثر على الشخص اقتصاديًا على تلك العادات فحسب، بل تشمل السهر لساعات طويلة ليلًا والاستسلام للضغوط النفسية، حيث تكشف دراسة لموقع "سيكولوجي توداي" أن هؤلاء الذين يسهرون طويلًا أو يسيئون التعامل مع ضغوط العمل يقعون في "أخطاء فادحة" أكثر من هؤلاء الذين يتجنبون السهر أو الضغوط بنسبة 210%، بما يجعلهم أكثر عرضة للتعرض للفصل من أعمالهم.
وتصل كلفة "الحرمان من النوم" أو "النوم منخفض الجودة" على الاقتصاد الأمريكي إلى 410 مليارات دولار سنويًا، وترى مجلة "تايم" أن هذه الوفورات كان من شأنها أن ترفع أجور العاملين ومستوى رفاهيتهم في الكثير من الصناعات مع زيادة الإنتاجية بشكل لافت فيها.
ووفقًا لـ"الجمعية الأمريكية للصحة العامة"، تصل فرصة الشخص "الصحيح"، والذي تعرفه بهذا الذي لا يعاني أمراضًا مزمنة، في الفوز بوظيفة إلى 1.6 قدر فرصة من يعاني مرضًا مزمنًا، بل يميل الكثير من المديرين "لا شعوريًا" إلى منح الوظائف لمن "يبدو عليه" علامات الصحة الجيدة، ولذلك فإن معدلات فوز ذوي البشرة السمراء بالوظائف التي تتطلب مجهودًا بدنيًا في الولايات المتحدة تبلغ ضعف معدلات فوز البيض بها، بسبب شكل الكثير منهم القوي.
وفي ظل ارتفاع متوسط الأعمار في مختلف الدول مع تحسن الرعاية الصحية، يبدو الاستثمار في الصحة منطقيًا ولعشرات السنين، في مواجهة استثمار مبالغ أكبر في أشياء أقل أهمية ولأيام أو أشهر أو حتى سنوات، ورغم ذلك يحجم كثيرون عن الاستثمار في الصحة لحساب استثمارات أقل أهمية وأقصر عمرًا.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}