قضى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على آمال التوصل إلى تفاهم تجاري بين واشنطن وبكين من شأنه احتواء الاحتقان بين البلدين، عندما أقر قبل أيام تعريفة على سلع صينية إضافية قدرها 200 مليار دولار، وهو ما رد عليه الجانب الصيني بفرض رسوم جمركية على واردات أمريكية تصل إلى 60 مليار دولار، ما يدفع إلى تزايد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، بحسب تقرير لـ"ساوث تشاينا مورنينغ بوست".
في لحظة من اللحظات خلال تبادل التهديدات والاتهامات بين الجانبين، آمنت الأسواق أن هناك أملا لحسم الخلاف وتهدئة التوترات، بعد إشارات متضاربة من الولايات المتحدة، حيث بدت وزارة الخزانة متحمسة لإعادة المفاوضات التجارية إلى مسارها الطبيعي، لكن البيت الأبيض لم يبد أي نية لتخفيف الضغط عن بكين.
وسبقت هذه الإشارات المتضاربة جولة أولى من التعريفات الجمركية في شهر يوليو/ تموز، وفي ذلك الوقت بدا أن المحادثات التجارية التي قادها وزير الخزانة الأمريكي "ستيفن منوشين" ونائب رئيس الوزراء الصيني "ليو هي" تسير بسلاسة نحو تفاهم وتفادي الحرب التجارية، إلى أن رفضها "ترامب" معلنًا بدء الصراع بفرضه رسومًا على سلع صينية قدرها 34 مليار دولار، ثم مجموعة أخرى قيمتها 16 مليار دولار.
لكن التصعيد الأخير قاد النزاع التجاري إلى مستوى جديد تمامًا، ليس فقط من حيث حجم السلع الخاضعة للتعريفات والذي بلغ أربعة أضعاف الواردات المستهدفة في الجولة الأولى، فقد هدد "ترامب" أيضًا بفرض رسوم عقابية على أي شيء تصدره الصين إلى الولايات المتحدة إذا قامت بكين بالرد على هذا التصعيد.
مع رد الصين بفرض رسوم مضادة على ورادات أمريكية قدرها 60 مليار دولار، فإن العالم يترقب الآن الخطوة التالية من تهديدات "ترامب"، والتي من شأنها أن تحول مخاوف الأسواق الحالية إلى أسوأ سيناريو فعلي.
من الناحية السياسية، يصعب التنبؤ بكيفية تحول الأمور خلال المدى القريب، وسيكون من الصعب على كلا الجانبين التراجع بشكل واقعي دون خسارة كبيرة للثقة، بعد تبني مثل هذه المواقف أمام الجماهير المحلية والعالمية.
وبالنسبة لـ"ترامب"، ليس من الواضح أنه يريد تهدئة الأمور، حتى لو مُنح فرصة لفعل ذلك بطريقة تحفظ ماء وجهه، وبما أن الهجوم على الصين كان مفيدًا لشعبيته، فقد يرى أنه من المناسب إظهار المزيد من التشدد في صراعه مع بكين قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
أما الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، فإن التأكد من تصديه للولايات المتحدة سيكون عاملًا مهمًا للغاية لدعم الكبرياء الوطني لبلاده، وبشكل عام، فمثل هذه الاعتبارات السياسية تشكل عوائق كبيرة أمام محاولات التفاهم وإمكانية التوصل إلى اتفاق على المدى القريب، لكن الأكثر إثارة للقلق هنا، هو أن هذه اللعبة السياسية سيتحمل نتائجه الاقتصاد العالمي.
توقع صندوق النقد الدولي محو الحرب التجارية 430 مليار دولار أو ما يعادل 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، لكن هذه التقديرات كانت متواضعة، وسبقت التصعيد الأخير من قبل الولايات المتحدة والصين، أما السيناريو الأسوأ فيشير إلى اندلاع أزمة اقتصادية ومالية عالمية على غرار ما حدث عام 2008.
بشكل عام يمكن أن تكلف الحرب التجارية الشاملة الاقتصاد الأمريكي نحو 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، لكن مع وضع رد فعل السوق المالي السيئ في الاعتبار، فإن هذه التكلفة قد تصل إلى 1% خلال الأشهر الأربع وعشرين القادمة.
أما الصين فستكون خسائرها أكبر لأنها تصدر أكثر إلى الولايات المتحدة، ووفقًا للتعريفات التي تم فرضها بالفعل، سيفقد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد ما قدره 1% خلال الاثني عشر شهرا المقبلة، وسيزيد هذا الضرر إلى أكثر من 2% إذا قرر "ترامب" استهداف جميع الصادرات الصينية إلى بلاده.
مثل هذه الصدمة الاقتصادية ستوجه ضربة قاسية إلى ثقة المستثمرين، وبالتالي ستقود موجة تصحيح كبيرة في أسواق الأصول الصينية، ومن المرجح أن يكون الأثر المشترك للاضطرابات الاقتصادية والمالية أكبر بكثير مما أشير إليه.
كما ستكون الحرب التجارية معدية بشكل خطير، وستنتشر لتشمل أطرافا أخرى غير واشنطن وبكين، وتعد سلسلة الإمداد العالمية والأسواق المالية بين آليات الانتقال الرئيسية التي ستنشر الصدمة عبر الاقتصاد العالمي، وفيما سيعاني الجميع، ستكون آسيا أشد المتضررين، نظرًا لارتفاع مستوى تكامل سلسلة التوريد بها مع عمليات التصنيع والتجميع في الصين.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}