قد يرى البعض أشخاصًا مثل "بيل جيتس" مؤسس "مايكروسوفت" و"مارك زوكربيرج" الرئيس التنفيذي لـ"فيسبوك" والمؤلف والصحفي الأمريكي "مايكل لويس"، كأفضل الأمثلة على بناء الثروات، نظرًا لمهاراتهم في تنظيم المشاريع، لكن الخبر السيئ في ذلك هو أن كل هؤلاء يدعون أنهم اكتسبوا ثرواتهم نتيجة الحظ الجيد، بحسب تقرير لـ"فاينانشيال تايمز".
عندما سُئل "جيتس" من قبل المؤلف "مالكوم جلادويل" عن بناء ثروته رد قائلًا ببساطة شديدة "كنت محظوظًا للغاية"، وهو رد مشابه لما أدلى به "زوكربيرج" في بث مباشر عبر حسابه الشخصي بـ"فيسبوك" عندما أكد أنه لا يمكن للمرء أن يكون ناجحًا فحسب من خلال العمل الجاد أو الفكرة الجيدة، فيما نصح "لويس" خريجي الجامعات بأن يعوا أن بلوغ النجاح يعني امتلاك المرء للحظ أيضًا.
يشير الأكاديميون في أماكن أخرى حول العام إلى الحظ باعتباره سببًا حقيقيًا في بناء الثروات، فعندما أجرى علماء الاجتماع السويسريون مقابلات مع 100 شخص ثري عام 2009، أبدى العديد منهم قبولًا لفكرة أن الكثير من نجاحهم يرجع في المقام الأول إلى الحظ.
وفي دراسة أجريت عام 2015 وشملت 160 من رواد الأعمال الألمان وقادة الشركات، توصل الباحثون إلى أن أغلب هؤلاء الذين خضعوا للدراسة يليق بهم لقب "أثرياء من صنع الصدفة"، وعلى جانب آخر توصل عالم النفس المجري "ميخالي سيكزنتميلياي" إلى الأمر نفسه عام 1996 عندما طلب من الأشخاص المبدعين تفسير أسباب نجاحهم، حيث كانت الإجابة الأكثر شيوعًا وتكرارًا هي أنهم كانوا محظوظين.
وفي كتاب "هندسة الثروات" يشير الكاتب "بريان بورتنوي" إلى ما سماه بسلطة التمويل السلوكي التي يجب أن تحس الناس على رؤية الثروة الحقيقية في القناعة، وهو ما يعني في بعض الأحيان قبول كون العديد من النتائج الجيدة في حياة الناس معتمدة على المساعدة التي يقدمها الآخرون علاوة على بعض الحظ، مشيرًا إلى أن جيل طفرة المواليد كاملًا –مواليد الفترة بين عامي 1946 و1964- كان محظوظًا للغاية بفضل نتائج سوق الأسهم في الولايات المتحدة.
أما في كتاب "النخب الثرية" الذي حاور فيه "راينر زيلتمان" 45 شخصًا من أصحاب الملايين والمليارات العصاميين، فتبين أن معظم رجال الأعمال الأثرياء ينسبون نجاحهم أيضًا إلى الحظ، ليس لأنه عامل حقيقي في تميزهم، ولكنهم يرون أنه سبب في إبعاد الحسد عنهم، ويقول المؤلف: إذا قال أحدهم إن حظه جيد، فهذا يبدو أفضل بكثير من قول، أنا أذكى منك.
ويضيف "زيلتمان" إن الحظ وحده لا يمكن أن يفسر بناء الثروة، لأن أولئك الذين جنوا أموالًا طائلة بفضل الحظ فقط، هم الفائزون باليانصيب، وعادة ما يخسر هؤلاء هذه النقود في غضون بضع سنوات، مشيرًا إلى أن المقابلات التي أجراها خلصت به إلى الاعتقاد بأن الأثرياء أصحاب الأعمال هم رجال يملكون شخصيات وسلوكيات فريدة.
واشتشهد في حجته بمنظم العروض وإحدى الشخصيات الأمريكية التي برزت خلال القرن التاسع عشر "بي تي بارنوم" والذي قال: لا يوجد أبدًا رجل يخرج من بيته في الصباح ليتفاجأ بحقيبة مليئة بالذهب في الشارع، ثم يعود يومًا تلو لآخر ليجد مثلها مجددًا، وحتى إذا حدث ذلك مرة واحدة في العمر، فإنه عرضة لخسارتها بنفس السهولة التي عثر بها عليها.
خلص "زيلتمان" إلى أن الجميع سيكون لديهم لحظة حظ في مرحلة ما، لكن أولئك الذين يجمعون الثروات الطائلة يعرفون كيف يدركون تلك اللحظة ويصنعون منها فرصة حقيقية، مشيرًا إلى أن النجاح في ذلك سيحتاج لخاصيتين أخريين.
أولًا: القدرة على البيع
- يقول "زيلتمان" إن المقابلات التي أجراها مع الأثرياء ورجال الأعمال، على عكس الأبحاث السابقة عن بناء الثروات، تكشف مجموعة مشتركة من مهارات البيع التي يتحلى بها الناجحون، مشيرًا إلى الأهمية الكبيرة لمهارة بيع الأفكار.
- يقتبس "زيلتمان" من حديث مدير أعمال المطربة العالمية "مادونا" قوله: لم تكن أرباحها عالية نتيجة موهبة موسيقية استثنائية، أو حتى الحظ والمصادفة، وإنما نتاج قدرة استثنائية في التمركز في المكان الصحيح والترويج لنفسها بالشكل الأمثل.
ثانيًا: القدرة على التعامل مع الإخفاقات
- وفقًا لـ"زيلتمان" يميل أغلب الناس لإلقاء اللوم على غيرهم إذا حققوا نتائج سيئة، أما الأثرياء فلا يلومون إلا أنفسهم، وهذا يدفعهم إلى العمل بجدية أكبر، مما يبرز إيمانهم بالمثل القائل: كلما عمل المرء بجدية أكبر، كان محظوظًا أكثر.
- يؤكد "زيتلمان" أن هذه الخاصية تميز بها الكثير من الرجال الناجحين أمثال الفيلسوف "سينيكا" ولاعب الجولف "جاري بلاير" وحتى "بنجامين فرانكلين"، لكن لم يعبر عنها أحد أفضل من الممثل "باتريك دافي" الذي قال: الحظ السعيد يأتي للأشخاص الذين يعملون بجد بحثًا عنه.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}