نبض أرقام
04:23
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

بامتلاك المعرفة التكنولوجية .. كيف تصبح الدول قوى اقتصادية عالمية حقيقية؟

2018/10/06 أرقام - خاص

كان ظهور اليابان كدولة حديثة خلال الفترة ما بين عامي 1853 و1945 مذهلاً بكافة الأشكال. فقد كان أسرع وأكثر جرأة وجنوناً مما قد يتخيله أي شخص. ولكنه في نفس الوقت كان قاتلاً ومدمراً للذات. وفي لحظة تحول الحلم الذي استمر لـ93 عاماً كابوساً بدأ وانتهى بسفن حربية أمريكية.

 

 

بدأت القصة مع دخول أربع من السفن الحربية الأمريكية إلى المياه اليابانية في عام 1853 بغرض إجبار اليابان على فتح أبوابها أمام التجارة الغربية بعد ما يقرب من قرنين من العزلة الاختيارية التي فرضتها اليابان على نفسها والمعروفة باسم "ساكوكو" أي "العزلة الوطنية"، قبل أن تصحو على كابوس القنبلة الذرية في عام 1945.

 

وبدءًا من حادثة الهجوم على بيرل هاربر وانتهاء باستسلام الإمبراطور بعد الهجوم النووي الذي استهدف مدينتي هيروشيما وناكازاكي، استمرت الحرب بين اليابان وقوات الحلفاء 3 سنوات وثمانية أشهر. ولكن احتلال الأمة المهزومة بدأ في أغسطس/آب 1945 وانتهى في أبريل/نيسان 1952، أي أنه استمر 6 سنوات و8 أشهر.

 

جمع الشتات .. من حيث انتهى الآخرون

 

وبعد الهزيمة واجه الاقتصاد الياباني الكثير من المشاكل، غير أن المشكلة الأبرز كانت هي البطالة. فعندما تم حل الجيش كان قوامه يشمل 7.6 مليون جندي، في حين أدى توقف الإنتاج العسكري إلى خسارة نحو 4 ملايين لوظائفهم. وفي نفس الوقت تم إجبار 1.5 مليون من اليابانيين المقيمين في الخارج على العودة لوطنهم.

 

لكن بشكل ما تمكن اليابانيون من إعادة بناء أمتهم لتصبح قوة اقتصادية عالمية في أقل من 40 عاماً، وذلك لم يحدث فقط بفضل السياسات الحكومية، بل تحقق أيضاً بفضل الجهد التراكمي والعمل الجاد من قبل الشعب الياباني الذي كان يمتلك قدرة فريدة على اكتساب وتحسين المهارات ومن ثم تطبيقها على نظامه الخاص.

 

 

أحد أهم أسباب التحول الاقتصادي الياباني الاستثنائي جداً في التاريخ المعاصر هو حرص اليابانيين على تطوير وتحسين الكثير من التكنولوجيا التي استوردوها من الغرب، وهو ما نتج عنه لاحقاً تسجيلهم للكثير من براءات الاختراع في مجالات رئيسية مثل صناعة الصلب ومعدات السيارات وبناء السفن والمواد الكيميائية والآلات الكهربائية.

 

باختصار، كان هناك اهتمام كبير من قبل اليابان بالتكنولوجيا المتقدمة خلال فترة ما بعد الحرب. وللأسف يوجد هناك سوء فهم من قبل الكثيرين للإنجازات التكنولوجية التي حققتها اليابان منذ ذلك الحين والتي يعتبرها البعض مجرد تكنولوجيا تم نقلها من الدول المتقدمة.

 

غير أن أي شخص على دراية بتاريخ التكنولوجيا يدرك جيداً أن هذا الادعاء ليس صحيحاً على الإطلاق. كل ما في الأمر هو أن اليابانيين حرصوا في البداية على الاطلاع على أحدث التكنولوجيات الغربية ودراستها، ومن هناك شقوا طريقهم وبدءوا في تطوير تكنولوجياتهم الخاصة، لتتحول اليابان من مستورد للتكنولوجيا إلى أحد أهم مصدريها.

 

اللحاق بالركب

 

أثناء محاولتهم إعادة ترتيب أوراقهم بعد الحرب أدرك اليابانيون أن التقدم التقني التكنولوجي سيكون هو العامل الحاسم الذي سيحدد المستقبل الاقتصادي للبلاد، وأن سرعة خروجهم من خراب الحرب مرتبطة إلى حد كبير بالتقدم الذي يستطيعون إحرازه في هذا المجال، والأهم من كل ما سبق هو أن هذا خيارهم الوحيد في ظل عدم امتلاكهم لثروات طبيعية.

 

كان كل من الحكومة والشعب الياباني مقتنعين بأن اتجاه البلاد إلى إنتاج السلع ذات القيمة المضافة العالية سوف يساهم في تسريع وتيرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ولكن لكي يكون هذا الخيار ممكناً، كان من الضروري أن يتم التركيز على تحسين المستوى التكنولوجي لقطاع الأعمال والاقتصاد بأكمله.

 

 

كما أوضحنا بالأعلى، اعتمدت اليابان في البداية على التكنولوجيا المستوردة، ولكنها لم تستوردها بغرض الاستهلاك فقط بل حرصت على التعلم منها ومحاولة تطويرها. لذلك لم يمض الكثير قبل أن تتمكن اليابان من سد الفجوة المعرفية مع الغرب لتدخل البلاد في مرحلة إنتاج التكنولوجيا محاولة إيجاد موطئ قدم لها بين الكبار في هذا المجال.

 

كانت اليابان متحمسة للاستفادة من الخبرات التقنية في الدول الأكثر تقدماً مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا. وفي البداية كان ذلك يحدث من خلال استيراد الآلات والمعدات، ولكن لاحقاً أخذت عملية نقل التكنولوجيا شكلاً آخر وهو التراخيص التي حصلت عليها الشركات اليابانية من نظيرتها الغربية.

 

في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات تقلص الاعتماد على التراخيص الأجنبية وبدأت القاعدة العلمية للبلاد تتطور بشكل كبير، وهو ما ساعد اليابان على التحرك ناحية سد الفجوة التكنولوجية مع البلدان المتقدمة، حيث قررت البلاد المضي قدماً في إنتاج التكنولوجيا الخاصة بها، وعلى هذا الأساس قامت بفرض قيود على واردات الشركات المحلية من التكنولوجيا الأجنبية.

 

لمن يعتبر!

 

لا توجد تكنولوجيا بدون بحث وتطوير. إدراكاً منها لتلك الحقيقة أولت اليابان من اللحظة الأولى اهتماماً كبيراً بأنشطة البحث والتطوير، والتي ارتفع نصيبها من الناتج المحلي الإجمالي من 0.5% في عام 1953 إلى 2.91% في عام 1990، وهو ما يتجاوز نسبة ما أنفقته على ذات الغرض دول متقدمة مثل الولايات المتحدة وألمانيا.

 

في عام 2011، أنفقت اليابان ما مجموعه 146.5 مليار دولار – 3.39% من الناتج المحلي الإجمالي –  على أنشطة البحث والتطوير، وذلك ارتفاعاً من 68.8 مليار دولار في عام 1990.

 

لكن رغم وصولها إلى أعلى درجة في سلم التطور التكنولوجي لم تفقد اليابان أبداً اهتمامها بالخبرات التقنية الأجنبية، بل على العكس بالتوازي مع إنشائها للعديد من المرافق البحثية وتصديرها للتكنولوجيا لا تزال اليابان مهتمة باستيراد التكنولوجيا من الخارج. انظر إلى الرسم البياني التالي:

 

 

يوضح هذا الرسم تحول اليابان من مستورد صاف للتكنولوجيا إلى مصدر صاف في غضون 4 عقود فقط من انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 

في النصف الثاني من الثمانينيات أنهت اليابان فترة "اللحاق بالركب" وأصبحت دولة متقدمة تكنولوجياً إلى حد كبير، ومنتجاتها التكنولوجية لم تحظ فقط بوضع تنافسي جيد في الأسواق الدولية، بل كان عليها طلب شديد في الأسواق المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا.

 

أصبحت المنتجات اليابانية مرادفاً لأعلى مستويات الجودة، وأكد الطلب المتزايد عليها في جميع أنحاء العالم على فاعلية عملية إعادة الهيكلة الصناعية والتكنولوجية للاقتصاد في فترة ما بعد الحرب.

 

باختصار، كان العامل الأهم الذي مكن اليابان من تحقيق هذا النمو الاقتصادي المذهل هو قدرة وحرص اليابانيين على اكتساب وتطوير المعرفة التكنولوجية وهو ما وضع بلادهم التي تعرضت للإذلال في الحرب العالمية الثانية في مصاف الدول المتقدمة.

 

 

ما فعلته اليابان يتجاوز بكثير فكرة نقل التكنولوجيا، فهناك دول كثيرة تستورد التكنولوجيا الأجنبية منذ عقود ولكنها لم تحاول أبداً أن تستفيد من هذه المعرفة وإنشاء تكنولوجيتها الخاصة حتى لو على نطاق ضيق وبشكل بدائي. فالتصميم البدائي الآن سيتطور بالتأكيد مع الوقت وسيصل لاحقاً إلى مراحل متقدمة.

 

أخيراً، إن التقدم التكنولوجي الذي حققته اليابان في فترة ما بعد الحرب مذهلاً، حيث كان يخضع لتغيير جذري كل عقد تقريباً، ويشير بعض الخبراء إلى أن السرعة والدقة التي تم بها هذا التحول غير مسبوقة. وفي الحقيقة إن ذلك يجب أن يكون مشجعاً لأولئك الذين يناضلون من أجل تطوير بلادهم، لأن تجربة اليابان تثبت أنه يمكن إنتاج التكنولوجيا بدلاً من استيرادها.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة