نبض أرقام
07:09 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

مصرفيو الرئيس..التحالف السري الذي يقود القوة الأمريكية

2018/10/06 أرقام - خاص

يتداخل الاقتصاد باستمرار مع السياسة، حتى أصبح من الصعب فصلهما في الكثير من الأحيان، لتأثر كل منها بالآخر، وهو ما يظهر كثيرًا لدى الخوض في العلاقة بين رجال المال والسلطة التنفيذية.

 

ولعل العلاقة بين المصرفيين والرؤساء على مدى تاريخ الولايات المتحدة من أكثر العلاقات الشائكة في هذا الإطار، مما دفع بالاقتصادية الأمريكية "ناعومي برينز" لتقديم كتابها "مصرفيو الرئيس: التحالف  السري الذي يقود القوة الأمريكية".

 

 

مؤامرة طويلة المدى

 

وتشكك برينز في "نوايا" مصرفيي البنوك خصوصا مصرفيي القطاع الخاص، وترى في التاريخ المصرفي الأمريكي مؤامرة طويلة الأمد يحيكها مقرضو الأموال ضد الأشخاص العاديين من أمثالها، وتقدم عرضًا تاريخيًا موسعًا لما تطرحه.

 

فوثيقة "ألدريتش"، وهي المسودة الأولى لقانون الاحتياطي الفيدرالي لعام 1913، تم إعدادها في الغالب من جانب مصرفيين من نيويورك بقيادة "جي.بي.مورجان"، حيث تمتع الأخير بنفوذ استثنائي لإنقاذه للبنوك الأمريكية من أزمة عام 1907 أو على الأقل لدوره الإيجابي في الأزمة.

 

وكان يأمل المصرفيون الأمريكيون من خلال إنشاء بنك الاحتياطي الفيدرالي في إنشاء بنك قومي يشكل "الملاذ الأخير" الذي من شأنه درء أية أزمات مستقبلية في السيولة وجعلهم أكثر قدرة على المنافسة مع المقرضين الأوروبيين الذين يحظون بدعم من البنوك المركزية.

 

ويعكس دور المصرفيين في إنشاء بنك الاحتياط الفيدرالي كون نشأته –بناء على قانون مقدم منهم- لم تكن لخدمة الصالح الأمريكي العام ولكنها كانت لخدمة مصالحهم بصورة أكبر ولوضع مظلة حماية لهم وليس أداة لمحاسبتهم كما هو الحال في بقية الدول.

 

وحتى "وودرو ويلسون" (الرئيس الأمريكي 1913-1921)، الذي كان متعاطفا مع فكرة البنك المركزي القوي والمسيطر، تساهل بشكل مبالغ فيه مع المصرفيين، وذلك على الرغم من إصراره على اختيار أعضاء بنك الاحتياطي الفيدرالي من جانب الرئيس، وليس البنوك.

 

وحينها قال "ويسلون" إن هيئات مماثلة في الولايات المتحدة مثل هيئة السكة الحديدية على سبيل المثال تخضع لاختيارات الرئيس، فلما تستثنى البنوك"؟، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه تساهل من جانب آخر في ترك المصرفيين يضعون القواعد المنظمة لأنشطتهم بحرية كبيرة ودون تدخل حكومي.

 

 

فصل التجاري عن الاستثماري

 

أما بالنسبة للرئيس الأمريكي الراحل "فرانكلين روزفلت"، فقد أثر على البنوك الكبرى أكثر من تأثيرها عليه، وساعده رجل الأعمال "وينثروب ألدريتش" من "تشايس" و"جيمز بيركنز" من "ناشيونال سيتي" (لاحقاً سيتي بنك) على تمرير قانون "جلاس ستيجال" لعام 1933.

 

وفصل القانون حينها بين البنوك التجارية والتي تتعامل مع الودائع، عن البنوك الاستثمارية والتي توجه استثمارات بعينها على أساس أن مضاربة البنوك تسببت في انهيار عام 1929 وبالتالي يجب إبقاء أموال المودعين آمنة.

 

ويمكن القول إن حالة من "الحماس" سيطرت على المصرفيين في عصر الكساد الكبير وأدت لعدم استمراره لسنوات "أطول مما ينبغي"، حيث بدأوا في تمويل بعض المشروعات غير التقليدية بما أسهم في الخروج من الأزمة.

 

وعلى الرغم من التدخل الكبير للمصرفيين في تمويل التدخل الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، وهو ما كان بالطبع خطوة طيبة من جانب المصرفيين تجاه بلدهم، إلا أنه يبدو أنهم قرروا تلقي ثمن هذه الخدمة لاحقًا، بل وكانوا قد تلقوها مقدمًا أيضًا.

 

فالبنوك الأمريكية حظيت بحرية استثنائية في العمل في أعقاب الكساد الكبير، في ظل دعاوى حكومية تطالب بضرورة ترك "اليد الحرة " تعمل، وبذلك حظوا بأرباح خيالية بناء على تصورات يعتقد أنها تخدم الاقتصاد بشكل عام، وبالتالي عندما قامت الحرب العالمية الثانية كانت لديهم وفورات كبيرة.

 

جشع ما بعد الحرب

 

كما أنه وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية وإقرار نظام "بريتون وودز" العالمي أصبحت البنوك أكثر "جشعًا" وذلك من خلال التوسع في منح القروض الشخصية على حساب تلك العامة بما يجلب أرباحًا أكبر للبنك.

 

فالمقترض الفردي يحصل على أموال أقل من البنك، بما يسمح له بتوزيع أمواله بين عدد أكبر من المدينين، وبالتالي تقل المخاطرة، كما أن "المسؤولية الشخصية" عن القرض الفردي تجعل الأشخاص يميلون للسداد بصورة أكبر من الشركات التي لا يبحث مسؤولوها باستمرار عن "إعادة الجدولة".

 

 

أما الرئيس الأسبق "بيل كلينتون" فقد كانت علاقته بالبنوك معقدة بعض الشيء، حيث ضغط هو عليها من أجل السماح بالتوسع في القروض العقارية وتمويل الإسكان، تحقيقًا لوعوده الانتخابية بتوفير مسكن ملائم للأمريكيين.

 

وفي الوقت نفسه، شهد عهد "كلينتون" أكبر فترة من "التغاضي" عن أشكال الفساد المختلفة في الإقراض التي مارستها المصارف، حيث كان "كلينتون" يشعر بحاجته الكبيرة للمصارف ولذا كان عليه التغاضي عن مخالفاتهم نظير خدماتهم له.

 

كما أن "كلينتون" أزاح الحد الفاصل بين البنوك التجارية وتلك الاستثمارية تمامًا بما جعل البنوك تتصرف بحرية أكبر في أموال المودعين وأنتج أزمات اقتصادية لا تزال الولايات المتحدة تعاني منها للآن.

 

دور "الخزانة" "المشبوه"

 

أما في الأعوام الأخيرة ومنذ عصر الرئيس "كلينتون" –وبصورة أكبر في عهد الرئيس السابق "باراك أوباما"- فتبرز "العلاقة المريبة" بين وزارة الخزانة والبنك المركزي وبعض المصارف الأمريكية، حيث لا توجد قواعد واضحة تحكم تدخل البنك المركزي والحكومة لإنقاذ البنوك.

 

ففي الوقت الذي لم تقم الحكومة الأمريكية بالتدخل لحماية "ليمان براذرز" من الإفلاس تدخلت في وقت لاحق لحماية مؤسسات أخرى، بل وأعطت حماية قانونية لعمليات إنقاذ غير متوافقة مع القانون الأمريكي.

 

فالقانون الأمريكي يجعل سلطة إصدار قرارات الإنقاذ في أيدي بنك الاحتياط الفيدرالي، ولكن المتاعب الكبيرة التي عانت منها بعض المؤسسات المالية أدت بها للحاجة إلى حزم إنقاذ حكومية فيدرالية تقرها وزارة الخزانة وليس البنك الفيدرالي.

 

وطيلة الفترة بين عامي 1913 وحتى يومنا هذا كانت الأزمة الحقيقية في عدم اهتمام المواطن الأمريكي بالتفاصيل، فكل ما يعنيه هو الناتج الذي يصل إليه في صورة ارتفاع في الأجور أو في مستوى التشغيل، بغض النظر عن الإجراءات التي أدت لهذا الانتعاش والتي قد تضر بمصلحته بطريقة أخرى.

 

 

وترى "برينز" في ختام كتابها أن "الديمقراطية الأمريكية مهددة بسبب العلاقة بين الرؤساء والمصرفيين، فالناخبون أدلوا بأصواتهم لاختيار الرؤساء ولكن من يتخذ القرار –على الأقل في الشؤون المالية- في واقع الأمر هم المصرفيون.

 

ويجعل هذا الديمقراطية الأمريكية على المحك، ومحل تساؤل، وفقًا لـ"بيرنز"- التي تؤكد أن الحل الوحيد لمواجهة تلك الظاهرة القديمة الحديثة إقرار قوانين أكثر حسمًا ومراقبة شعبية أوسع وأكثر صرامة.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.