تعد "روتشيلد" من أشهر العائلات في العالم وترجع أصولها إلى ألمانيا بداية من القرن الثامن عشر واشتهرت بثروتها الضخمة لما كان لأفرادها من دور في تمويل مشروعات عملاقة على مستوى العالم مثل مد خطوط سكك حديدية وغيرها، وفقا لموسوعة "بريتانيكا".
جاءت شهرة عائلة "روتشيلد" من "ماير أمشيل روتشيلد" الذي ولد عام 1744 وكون نواة إمبراطورية الثراء والأعمال في مدينته "فرانكفورت" بألمانيا، وبمرور الوقت، توسع "ماير" وأبناؤه الخمسة في عدد من الدول الأوروبية.
علامات منذ الصغر
كانت بدايات "روتشيلد" متواضعة للغاية، فقد تربى "ماير" في مدينة "فرانكفورت" في مجتمعات صغيرة وفقيرة وبها طابع من العنصرية حيث عاش عندما كان طفلا في منزل مع 30 فردا من أسرته، لكنه تعلم كيفية بدء نشاط تجاري منذ نعومة أظافره.
تاجر الوالد "أمشيل" في العملات المعدنية والحرير والسلع الأخرى بالكاد من أجل المعيشة، ثم توفي عندما كان عمر "ماير" أحد عشر عاما، ثم توفيت والدته بعد ذلك بعام فقط.
منذ أن كان طفلا، أراد "ماير" أن يمتلك شركة مصرفية، وعندما أصبح عمره ثلاثة عشر عاما، تدرب في شركة بالفعل في مدينة "هانوفر"، وتعلم منها كيفية التعامل في الشؤون المصرفية والتجارية.
عاد بعدها "ماير" إلى "فرانكفورت" وهو في التاسعة عشرة من عمره، وواصل بالتعاون مع إخوته تجارة السلع والعملات المعدنية النادرة، ومن بين عملائه الأمير "فيلهيلم" الذي أصبح لاحقا أغنى شخصية في أوروبا.
بعد فترة قصيرة، أصبح الشاب اليافع يقدم خدمات مصرفية للأمير "فيلهيلم" وعدد من النبلاء، وفي عام 1770، تزوج "ماير" وأنجب عشرة أطفال خمسة أبناء وخمس بنات.
بزوغ فجر إمبراطورية مصرفية
استفادت إمبراطورية "روتشيلد" المصرفية بشكل كبير من الثورة الفرنسية، ففي أحداث الحرب، تعاقد الجيش النمساوي مع "ماير" لتوريد كميات من السلع والأغراض مثل القمح وأزياء الجنود والخيول والعتاد، كما عقد صفقات مالية لإمداد جنود مرتزقة في مدن ألمانية.
بمرور الوقت، أرسل "ماير" أبناءه الخمسة للعيش في مدن أوروبية رئيسية وكان الهدف من ذلك، أن يعي الأبناء كيفية إطلاق أنشطة تجارية ومصرفية في "فرانكفورت" و"فيينا" و"باريس" و"لندن" و"نابولي"، وحدث ذلك بالفعل خلال القرن التاسع عشر.
توسع أبناء "ماير" تجاريا ومصرفيا عبر أوروبا، وأصبح "روتشيلد" أول بنك عابر للحدود، وانخرط في تمويل حكومات وعمليات حربية على مدار عقود كما امتلك ديون دول وحقق ثروات طائلة في صناعات مختلفة.
قبل وفاته عام 1812، حدد "ماير" عددا من القواعد الصارمة لأبنائه في كيفية التعامل مع المال والأعمال حيث أراد الثروة أن تكون داخل أسرته، وهو ما دفعه لتشجيع أبنائه على الزواج من العائلة، بحسب مقال نشرته مجلة "ديسكافر" عام 2003.
"ناثان" الابن
أبرز الأبناء الذين حققوا نجاحات في الثراء "ناثان" الثالث في الترتيب حسب العمر، فقد تولى القيادة في التمويل الدولي واستغل شبكة من الحمام الزاجل في التواصل مع صناعات في دول أخرى.
كان "ناثان" بمثابة بنك مركزي لقارة أوروبا بأكملها حيث كان ينقذ بنوكا وطنية ويمول مشروعات بنية تحتية كشبكات السكك الحديدية كما أسهم بشكل كبير في انطلاق شرارة الثورة الصناعية.
انتقل "ناثان" إلى إنجلترا عام 1798 حيث أسس صناعة للنسيج برأس مال قدر بـ20 ألف جنيه إسترليني (نحو 1.9 مليون جنيه إسترليني أو 3.2 مليون دولار بالقيمة الحالية).
ضخ "ناثان" أيضا استثمارات في بورصة لندن ثم أسس شركة مصرفية في وقت لاحق تحت اسم "N M Rothschild & Sons Ltd" أي "ناثان ماير روتشيلد وأبناؤه"، وهي سابع أقدم شركة عاملة في إنجلترا.
على غرار الشركات والمصارف الأخرى المملوكة لأبناء "روتشيلد"، توسعت الشركة في كافة ربوع أوروبا وشاركت في تمويل الحكومة البريطانية وقت الأزمات والحروب.
عام 1811، أدارت شركة "ناثان ماير روتشيلد" ومولت الحرب البريطانية ضد "نابليون بونابرت" كما دفعت أموالا لحلفاء لآخرين ومنحت قروضا أيضا لصالح الجيش البريطاني.
في نفس الوقت، مول "ناثان" أيضا حملات "نابليون بونابرت" العسكرية سراً واستغل الحروب بشكل كبير لتنمية أعماله وتحقيق المزيد من الثروة والمال.
في يوليو/تموز عام 1815، أبلغ أحد الوكلاء العاملين لدى "روتشيلد" الحكومة البريطانية بأن "نابليون" يعاني من هزيمة في "ووترلو"، ولكن لندن لم تصدق هذه المعلومة.
في تلك الأثناء، ومع الضبابية التي غطت مستقبل إنجلترا، بدأ "روتشيلد" في بيع جميع السندات حوزته وسط أنباء عن تقدم طفيف لـ"نابليون" في المعارك، وأصبحت هذه السندات – بعد تخلص "ناثان" منها – عديمة القيمة.
نظرا لسمعة "روتشيلد الابن" كمستثمر ومؤثر في صناعة القرار، اتبعه البريطانيون كثيرا، وباعوا أيضا ما بحوزتهم من أوراق مالية وأسهم الأمر الذي أدى بدوره إلى انهيار بورصة لندن.
على أثر ذلك، قرر أبناء "ماير روتشيلد" شراء جميع السندات والأسهم بأسعار زهيدة للغاية، وهيمن "ناثان" بشكل خاص على البورصة في لندن – بعد ثبوت تعرض "نابليون" لهزيمة ساحقة.
أفادت "إنفستوبيديا" بأنه حتى عام 2015، ظلت الحكومة البريطانية تسدد ديونها لعائلة "روتشيلد" التي اقترضتها أثناء الحرب مع "نابليون"، ومن بين مقولات "ناثان": "اشتر عند سماع أصوات المدافع وبع عند دق طبول النصر" في إشارة إلى أن وقت الحروب كان بالنسبة له استثمارا رائعا.
"روتشيلد" في القرن الحادي والعشرين
توزعت الثروة الضخمة على العديد من ورثة "روتشيلد" على مر السنين، وفي أيامنا هذه، تمتد أعمال العائلة في عدد من الصناعات من بينها الخدمات المالية والعقارات والتعدين والطاقة.
هناك عدد قليل من المؤسسات المالية المملوكة لعائلة "روتشيلد" لا تزال تعمل في أوروبا من بينها شركة "N M Rothschild & Sons" في المملكة المتحدة و"إدموند دي روتشيلد جروب" في سويسرا فضلا عن أعمال مختلفة في أمريكا الشمالية وجنوب إفريقيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية.
في عصرنا الحديث، لا تزال شركات وأعمال "روتشيلد" تمثل نموذجا للنجاح والتوسع في الثروة ومثالا على الريادة في إدارة أعمال تجارة ذكية.
لا تزال مؤسسات "روتشيلد" تمول عمليات تجارية عالمية وتسهم أيضا في أعمال إنسانية وعلمية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}