في وادٍ بعيد جنوبي غرب ألمانيا، على بعد ساعة بالسيارة من مدينة شتوتجارت، يقع مصنع "فيشر" لقطع غيار السيارات، الذي يحقق مبيعات سنوية تقترب من مليار دولار، ويمتلكه رائد الأعمال المحلي "كلاوس فيشر"، بحسب تقرير لـ"فاينانشيال تايمز".
"فيشر" الذي ورث هذه المهنة عن أبيه، يقول إن منهجه في العمل يُشعر المساهمين النشطين بالارتياح، والذي يقوم على إعداد الشركة للمستقبل وتأمين الوظائف الحالية لديه مع إضافة المزيد منها، ولكنه يقوم بكل ذلك ليس من أجل المال وإنما للمتعة.
ويضم المقر المبني حديثًا أحد أفضل 50 مطعمًا داخليًا في ألمانيا، وصالة رياضية أنيقة، وشبكة إنترنت تسمح للموظفين بتحميل القصص المسلية لأطفالهم، وحول قياس الأداء يقول "فيشر" إنه يقيم التقدم على مر العقود وليس الفصول.
مثلًا نما عدد الموظفين إلى ثلاثة أمثاله مسجلًا 5 آلاف موظف خلال العقود الأربعة الماضية، في حين ارتفعت المبيعات إلى 10 أمثالها، ويعلق "فيشر" (الذي تقدر ثروته بنحو 690 مليون دولار، وفقًا لمجلة "ويلز مجازين"): كان الدافع بالنسبة لي دائمًا الرغبة في النجاح بشكل مشترك مع الموظفين، وليس وحدي.
قلب الاقتصاد النابض
- قد تكون الصورة الشهيرة عن الاقتصاد الألماني متمثلة في إنتاجه سيارات "بي إم دابليو" وشاحنات "دايملر" وتوربينات "سيمنس"، لكن في الحقيقة، الشركات الصغيرة والمتوسطة (البالغ عددها 3.3 مليون شركة) مثل "فيشر" هي التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد الأكبر في أوروبا، كما تقول المستشارة "أنجيلا ميركل".
- يؤكد كبير الاقتصاديين في بنك "كيه إف دابليو" المملوك للحكومة "يورج زاونر" على تصريحات "ميركل" قائلًا: هذه حقيقة وليست مجرد استهلاك إعلامي، هذه الشركات تشكل نسبة 70% من جميع الوظائف في البلاد وتستوعب نحو 90% من طاقة نظام التمهّن لتدريب وإعداد الأجيال الجديدة الراغبة في امتهان صنعة ما.
- خلال العام الماضي، قالت "سابين هيرولد" المالكة والرئيسة التنفيذية لشركة "إندستر كليبستوف" المتخصصة في صناعة الغراء: نستهدف بشكل متعمد فرص البيع التي عادة ما تكون معقدة للغاية للشركات الصغيرة وفي نفس الوقت ضئيلة الحجم بالنسبة للشركات الكبيرة.
- ولعل هذه الاستراتيجية كانت وراء القفزة القوية في مبيعات الشركة، التي نمت بنسبة 67% إلى 183 مليون دولار بعد توسعها في قطاع الإلكترونيات.
أبطال أخفياء
- أطلق خبير الاستشارات التجارية "هيرمان سايمون" مصطلح "الأبطال الأخفياء" على الشركات صغيرة ومتوسطة الحجم الرائدة في مجالها، وحدد 2700 شركة منها على مستوى العالم، نصفها يتركز في ألمانيا، وتبين أن الشركات الألمانية تفوق نظيرتها في الاتحاد الأوروبي حجمًا بمقدار يتراوح بين 1.5 و 4 أمثال.
- هذه الشركات ليست محصنة ضد الأزمات الاقتصادية لكنّ المراقبين أمثال "سايمون" يرون أنها في وضع جيد لمواجهة تحديات مثل "بريكست" أو الحرب التجارية، فالعديد من منتجاتها لا غنى عنه، ووفقًا لـ"سايمون"، إذا كانت حصة الشركة في السوق تتراوح بين 50% و70% فلا يمكن استبدالها.
- تقول "إديث ويماير" العضوة بمجلس إدارة مصرف "كوميرس بنك" أحد أكبر مقرضي الشركات الصغيرة والمتوسطة في ألمانيا: الميزانيات العمومية القوية تساعد هذه الشركات، ونظرًا لكون الأسر المالكة هي فقط من يتعرض للمخاطر، فإنهم يميلون إلى التصرف بطريقة أكثر استدامة والتفكير طويل المدى.
- نتيجة لذلك، تميل الميزانيات العمومية للشركات الصغيرة والمتوسطة إلى أن تكون قوية، وفي المتوسط تبلغ حقوق المساهمين 39% من الأصول، وفقًا لـ"إديث".
- مرت الأزمة المالية العالمية في 2008 مرور الكرام على شركة "ترومف جروب" المسيطر عليها من قبل عائلة واحدة، وتتخصص في تقنيات الليزر وإنتاج عدد من الأدوات الصناعية، ولم تدفعها ككثير غيرها إلى تسريح ولو حتى كان جزءا بسيطا من قوتها العاملة، ويرجع المدير المالي "لارس غرونت" ذلك إلى رغبة المالكين، قائلًا: هذا طموح العائلة المالكة للتعامل مع أي أزمة مستقبلية.
- مع امتلاكها مصانع في ثلاث قارات، وتحقيق 80% من إيراداتها السنوية البالغة 4.13 مليار دولار خارج ألمانيا، فإن "ترومف" معرضة للتأثر بالصدمات التي قد تقع في الاقتصاد العالمي، لكن الشركة بدأت منذ عام التخطيط لمثل هذه الأوقات العصيبة حيث أطلقت مشروعا يحمل اسم "كوير" وهو مصطلح ألماني قديم يشير إلى بناة السدود.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}