أثناء سعي المستثمر لبناء محفظة استثمارية تتمتع بقدر جيد من التنويع، يجد أمامه العديد من الخيارات الاستثمارية التي تتميز كل منها بخصائص معينة. على سبيل المثال، ما هدف هذا الاستثمار، هل هو النمو أو الدخل؟ محلي أو دولي؟ هل لديه موعد استحقاق؟
وثمة اعتبار آخر مهم، وهو هل هذا الاستثمار يدار بطريقة نشطة أو غير نشطة؟ وإجابة هذا السؤال مهمة جداً في الحقيقة، وذلك لأن لكل نمط منهما إيجابياته وسلبياته، وكلما تعرف المستثمر على النمطين بشكل أكبر تحسنت قدرته على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بخطواته الاستثمارية.
وفي التقرير التالي سيتم تناول الفارق بين الإدارة غير النشطة أو الساكنة(Passive Management) والإدارة النشطة (Active Management) ، وإلقاء الضوء على الفلسفة وراء كل منهما، وتطبيقاتهما في مجال إدارة الصناديق.
إدارة الاستثمار بين النهجين النشط والسلبي .. معضلة التغلب على السوق |
|
النقطة |
الإيضاح |
الإدارة غير النشطة أو الساكنة (Passive Management) |
- "الإدارة غير النشطة".. للوهلة الأولى يتبادر إلى ذهن البعض بمجرد سماع الاسم الكثير من الصفات السلبية التي عادة ما يكون غير مرغوب بها في أي نهج استثماري، لكن في الحقيقة تسيطر الإدارة غير النشطة للاستثمار على واحد من أكثر القطاعات أهمية وحيوية في العالم المالي اليوم: صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs).
- الإدارة غير النشطة للاستثمار: تعني ببساطة التخلي عن الحس البشري أثناء عملية تقرير ما يجب الاستثمار به ومتى يجب الاستثمار به. بعبارة أخرى، الاستثمار غير النشط يعني "امتلاك السوق" بدلاً من محاولة التغلب عليه.
- في الإدارة غير النشطة للاستثمار يتم تتبع المؤشرات، وهي عبارة عن مجموعة من الأوراق المالية التي تتشابه بطريقة ما. الاستثمار في صندوق يملك جميع الأسهم المدرجة في مؤشر "S&P 500" على سبيل المثال، هو استثمار غير نشط، ويعني أنك كمستثمر ستتحرك في نفس الاتجاه الذي يتحرك نحوه السوق بشكل عام، صعوداً وهبوطاً، وأن أداءك الاستثماري لن يكون أفضل أو أسوأ من أداء المؤشر.
- كيف يمكن للمستثمر "امتلاك السوق"؟ امتلاك السوق يعني ببساطة امتلاك قطعة صغيرة من كل شيء بما يتناسب مع حجمه. أفضل مثال على ذلك، هو صندوق يتتبع مؤشر مورجان ستانلي العالمي (MSCI World Index).
- إدارة هذا الصندوق لا تحاول على الإطلاق اختيار الأسهم التي قد تؤدي بشكل جيد مستقبلياً، بل إنها بدلاً من ذلك تقوم بالاستثمار في جميع الأسهم المدرجة على المؤشر، ولكن تقوم بالسيطرة على حصص كبيرة بالشركات الكبيرة وعلى حصص أصغر بالشركات الصغيرة.
- لماذا لا يرغب هؤلاء في التغلب على السوق بدلاً من مجرد مطابقته؟ يعتقد المهتمون بالإدارة غير النشطة للاستثمار بأنه لا يمكن على الإطلاق التغلب على السوق بصفة منتظمة، أو في أحسن الأحوال هو أمر مستبعد جداً.
- من أين جاءت فكرة الإدارة غير النشطة للاستثمار؟ في كتاب نشره في عام 1973 ادعى "بيرتون مالكيل" الأستاذ في جامعة برينستون أن "قرد معصوب العينين يرمي السهام على مؤشرات الأسهم يمكنه أن يسجل أداءً جيداً كالمحترفين من مديري الأموال".
- لم يشكك "مالكيل" في فرضية أن بعض المديرين يمكنهم بالفعل التغلب على السوق، ولكنه رأى أن مديري الأموال في المجموع سوف يحققون نفس النتائج بعد حساب الرسوم التي يتقاضونها نظير الإدارة.
- بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ وباستخدام المنطق نفسه، أنشأ "جون سي بوجل" مؤسس مجموعة "فانجارد" أول نسخة من صناديق المؤشرات للمستثمرين الأفراد، والذي كان يتتبع مؤشر " S&P 500".
- "بوجل" اعتقد أيضاً أن الإدارة النشطة للاستثمار لا يمكنها التغلب على السوق على المدى الطويل. |
الإدارة النشطة للاستثمار (Active Management) |
- هذا هو أصل الاستثمار، ولذلك كان يسمى هذا النهج - شراء وبيع الأسهم الفردية والسندات - بالاستثمار فقط. ولكن في هذه الأيام أصبح المعنى الأكثر شيوعاً لما يسمى بالاستثمار النشط، هو وضع الأموال في صناديق الاستثمار المشتركة التي يقوم مديروها باتخاذ القرارات الاستثمارية بناء على تحليلاتهم وتقديراتهم الشخصية.
- الإدارة النشطة: تعني أن مدير الصندوق الاستثماري يقوم بتكوين المحفظة الاستثمارية استناداً إلى أبحاثه وحدسه وخبرته، ثم يقوم بإجراء تغييرات في استراتيجية تلك المحفظة ضمن إطار الصندوق. وتهدف هذه التغيرات إلى مساعدة الصندوق على التغلب على أداء المؤشر المرجعي وغيره من الصناديق المماثلة.
- الفكرة هي أن مدير هذا النوع من الصناديق من المفترض أن يحقق عوائد أعلى من تلك التي قد يحققها المستثمر الفرد بنفسه أو أي مستثمر متوسط الخبرة. فبشكل عام يقوم شخص ما باتخاذ قرارات نشطة حول ما يجب أن يكون أو لا يكون موجوداً في المحفظة الاستثمارية.
- رياضياً، لا يمكن للجميع التغلب على السوق: يعتقد جميع المديرين النشطين أنهم قادرون على التغلب على السوق من خلال اختيار الأسهم الجيدة وتجنب السيئة. ولكن لا يمكن بأي حال أن يتمكن هؤلاء جميعاً من التغلب على السوق، لأن محصلة أدائهم في نهاية المطاف هي السوق نفسه.
- أين يضع المستثمرون أموالهم؟ في السنوات القليلة الماضية، بدأ عديد من المستثمرين الاتجاه إلى صناديق الاستثمار غير النشط بدلاً من تلك التي تدار بطريقة نشطة. ففي عام 2016 قام المستثمرون بسحب أكثر من 380 مليار دولار من صناديق الاستثمار المشتركة المدارة بطريقة نشطة، في حين شهدت الصناديق المدارة بطريقة غير نشطة تدفقات داخلة قدرها 480 مليار دولار.
- رغم ذلك لا تزال الصناديق المدارة بالطريقة النشطة تحتفظ بالجزء الأكبر من السوق مع أصول قيمتها 10 تريليونات دولار، مقارنة مع 5.8 تريليون دولار هي القيمة الإجمالية للصناديق المدارة بالنهج الساكن أو غير النشط.
- هل يضع "وارن بافيت" أمواله في صناديق المؤشرات؟ لا. وذلك لأنه عادة ما يتفوق على السوق، أو على الأقل هذا هو الحال حتى الآن.
- ملحوظة مهمة: معظم وليس كل صناديق الاستثمار المتداولة تتم إدارتها بشكل "غير نشط"، في المقابل ترتبط الصناديق المشتركة (Mutual Funds) بشكل أكبر بالإدارة النشطة، ورغم ذلك يوجد أيضاً صناديق مشتركة تعتمد على الإدارة غير النشطة.
- في 31 ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، بلغت أصول صناديق الاستثمار المتداولة المدارة بالطريقة النشطة 14.58 مليار دولار، وهو ما مثل 0.9% فقط من صناعة صناديق الاستثمار المتداولة في الولايات المتحدة والبالغة 1.67 تريليون دولار.
- في الوقت نفسه، بلغت قيمة أصول الصناديق المشتركة المدارة بالطريقة النشطة 10.64 تريليون دولار، وهو ما مثل 87% من أصول الصناعة في الولايات المتحدة والبالغة 12.29 تريليون دولار، وذلك بحسب بيانات "مورنينجستار".
- أخيراً: يجب على المستثمر فهم الطريقة التي تدار بها أمواله. فليس هناك بديل عن ذلك، حتى لو كان هناك شخص ما يقول له إنه يفعل ذلك بشكل جيد بالنيابة عنه. فشل الجهة التي تدير الاستثمار في شرح منهجيتها الاستثمارية لعملائها يشير إلى أن هناك شيئاً ما غامض أو أن هناك مشكلة! |
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}