نبض أرقام
04:31
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

لو تعلم ما تخفيه "ربحية السهم"! .. كيف يقود هذا المقياس المستثمرين إلى القرار الخاطئ؟

2019/02/23 أرقام - خاص

"بسم الله الرحمن الرحيم.. الإجابة تونس".. العبارة السابقة هي مزحة ودعابة شهيرة متداولة بين المصريين، يقولونها متى وجه إليهم أي سؤال لا يعرفون إجابته حتى لو لم يكن لهذا السؤال علاقة بتونس أو بأسماء الدول أصلاً. وهذا في الحقيقة هو جوهر المزحة: إجابة لا علاقة لها بالسؤال وبعيدة عنه بشكل يثير الضحك.

 

 

وفي سوق الأسهم يجيب المستثمرون بشكل مشابه عن أسئلة أصعب تحدد قراراتهم الاستثمارية، ولكن الفارق هذه المرة هو أن الإجابة هنا لا تثير الضحك بل تقودهم إلى قرارات خاطئة قد تكلفهم الكثير من الأموال التي كسبوها بشق الأنفس.

 

"ربحية السهم" أو "EPS".. هذه هي النسبة المالية التي تتحكم في قرارات الأغلبية الكاسحة من المستثمرين وبالأخص قليلي الخبرة منهم.

 

نار على علم

 

في التحليل المالي بشكل عام وفي تحليل الربحية بشكل خاص لا توجد تقريباً أي نسبة مالية تحظى بمقدار الشهرة الذي تحظى به ربحية السهم بين جمهور المستثمرين. إلا إنها -على شهرتها الواسعة- تعد أكثر المقاييس عرضة للتلاعب والتفسير السطحي والخاطئ.

 

ومما يعكس الأهمية الكبيرة لربحية السهم أنها هي النسبة المالية الوحيدة التي تشترط كلٌّ من (GAAP) و(IFRS) على الشركات إدراجها في بياناتها المالية وتحديداً في قائمة الدخل. كما تخضع هذه النسبة لفحص دقيق من قبل مراجع الحسابات المستقل.

 

ومن البداية لمن لا يعرف، ربحية السهم عبارة عن ناتج قسمة صافي دخل الشركة بعد احتساب الضرائب على عدد الأسهم العادية المصدرة. وهي بذلك تعطي المستثمر مؤشراً حول نصيب السهم العادي من الأرباح القابلة للتوزيع.

 

 

وبشكل أساسي يوجد ثلاثة أنواع من مقياس "ربحية السهم":

 

النوع الأول هو ربحية السهم الأساسية: وهي حصة السهم العادي الواحد من صافي أرباح الشركة بعد احتساب الضرائب. ويتم حسابها من خلال قسمة صافي الأرباح على متوسط عدد الأسهم العادية المصدرة. على سبيل المثال، إذا حققت الشركة ربحًا صافيًا قدره 10 ملايين ريال، ويوجد لديها 5 ملايين سهم مصدر، ستبلغ ربحية السهم في هذه الحالة ريالين.

 

أما النوع الثاني فهو ربحية السهم المخففة: وهو مقياس أكثر تعقيداً وأكثر دقة في الوقت ذاته للأرباح التي سيحصل عليها المستثمر. وطريقة حسابها تشبه إلى حد كبير طريقة حساب ربحية السهم الأساسية غير أنها تأخذ في اعتبارها أيضاً السندات والأسهم الممتازة القابلة للتحويل إلى أسهم عادية، وأسهم الخزينة.

 

وهناك نوع ثالث وهو ربحية السهم المعدلة: وأثناء حساب هذه النسبة تتم إزالة جميع الأرباح والخسائر التي تُعزَى إلى الأنشطة غير الأساسية للشركة. وبالتالي إزالة أثر جميع العناصر الاستثنائية التي أثرت على الأداء المالي للشركة خلال الفترة محل الفحص.

 

إشكاليات أكبر من أن يتم تجاهلها

 

يمكننا تلخيص المشاكل المرتبطة بـ"ربحية السهم" كمقياس في ثلاث نقاط وهي: فشلها في عكس النمو الحقيقي لحقوق المساهمين، بالإضافة إلى كونها عرضة أكثر من غيرها للتلاعب. وأخيراً، وجود تحيز متأصل نحو النمو الإيجابي لهذه النسبة لدى المستثمرين.

 

الهدف الأساسي من عملية الاستثمار هو تعظيم قيمة حقوق المساهمين على المدى الطويل. ومن هذا المنطلق يجب على إدارة الشركة السعي لتحقيق هذا الهدف من خلال الاستثمار في مشاريع ذات عوائد أعلى من تكلفة رأس المال.

 

لكن ربحية السهم لا تأخذ في اعتبارها تكلفة رأس المال. فالشركات التي تتحمل مستويات مرتفعة من الديون عادة ما تكون تكلفة رأس المال لديها كبيرة بسبب زيادة المخاطر. وفي الوقت ذاته يمكن للشركة زيادة ربحية السهم ببساطة عن طريق زيادة الاقتراض، في حين أن المزيد من الاقتراض لن يؤدي بالضرورة إلى خلق قيمة أكبر للمساهمين.

 

من المهم أيضاً أن نفهم تأثير العوامل الخارجة عن سيطرة الإدارة على "ربحية السهم". على سبيل المثال، قد ترتفع أسهم شركة نفط على خلفية ارتفاع أسعار الخام العالمية وليس بسبب أن الشركة نجحت في تطوير تقنيات استكشاف أفضل من الموجودة. أو ترتفع أسهم بنك بسبب ارتفاع معدلات الفائدة. هذه كلها عوامل لا علاقة لها بكفاءة إدارة الشركة ولكنها أثرت في النهاية إيجابياً على ربحية السهم.

 

 

المشكلة الأخرى هي أن "ربحية السهم" لا توضح مقدار رأس المال المطلوب لتوليد مستوى معين من الأرباح.

 

هذا معناه أنه إذا كانت هناك شركتان حققتا نفس الأرباح وربحية السهم لديهما متساوية فلا يمكن أن نضعهما على قدم المساواة إذا احتاجت واحدة منهما إلى ضعف رأس المال الذي احتاجت إليه الأخرى لتوليد نفس الأرباح.

 

نفس الفكرة تنطبق على عدد الأسهم العادية المصدرة والتي تعد بمثابة مقياس ضعيف لحجم رأس المال المستخدم. فبشكل عام يرتبط عدد الأسهم المصدرة عادة بمحاولات الشركة تحقيق نطاق معين لأسهمها العادية.

 

إذا افترضنا أن هناك شركة قيمتها سوقية قدرها 10 ملايين ريال، ولديها 500 ألف من الأسهم العادية المصدرة، فهذا معناه أن قيمة السهم الواحد تساوي 20 ريالاً. لكن إذا كان لدى الشركة مليون سهم مصدر فإن قيمة السهم ستبلغ 10 ريالات. كما ترى، رأس المال ثابت كما هو لم يتغير، ولكن عدد الأسهم المصدرة وبالتبعية "ربحية السهم" اختلافا.
 

في عام 2008، حققت "كوكاكولا" دخلا صافيا قدره 5.8 مليار دولار، وهو ما تجاوز صافي دخل منافستها "بيبسي كولا" في ذات العام والذي اقترب من 5.1 مليار دولار. ورغم ذلك كشفت الأخيرة عن ربحية أعلى للسهم الواحد (3.26 دولار) مقارنة مع "كوكاكولا" التي بلغت ربحية السهم لديها 2.51 دولار. كيف حدث هذا؟ ببساطة لدى الشركتان أعداد مختلفة من الأسهم المصدرة.

 

في الوقت نفسه تعتبر "ربحية السهم" مقياساً غامضاً للتغيرات التي تشهدها ربحية الشركة على مر الزمن وذلك لأن تغير أعداد الأسهم المصدرة عادة ما يكون له أثار غير متناسبة على البسط والمقام في معادلة حساب تلك النسبة المالية.

 

على سبيل المثال، إذا شهدت أرباح الشركة "س" انخفاضاً كبيراً خلال عام 2019، فباستطاعة الشركة أن تعلن ارتفاع ربحية السهم الواحد خلال هذا العام مقارنة مع العام السابق إذا تمكنت من إعادة شراء جزء كافٍ من الأسهم المصدرة.

 

كيف تلاعب الإدارة المساهمين؟

 

بسبب أنها تفهم عقلية المستثمر أكثر من المستثمر نفسه، تولي إدارات الشركات المدرجة بالبورصة اهتماماً كبيراً بنسبة "ربحية السهم" خصوصاً وأن هذه النسبة ترتبط في بعض الأحيان بحجم مكافآتهم. ومع الأسف يركز أكثر المستثمرين بشكل مبالغ فيه على "ربحية السهم" كمقياس شبه وحيد لتقييم أداء الشركات، وهو ما يقودهم إلى الوقوع في فخاخ وشراك مؤذية للغاية وربما تكون مبددة لقيمة استثماراتهم.

 

هذا الاهتمام المبالغ فيه بـ"ربحية السهم" كمؤشر حول الأداء المالي للشركة يجعل إدارة الشركة حريصة على ظهور ذلك الرقم في أفضل صورة ممكنة خلال المدى القصير. وتحت هذا الضغط قد تتخذ الشركة قرارات تهدف لزيادة قيمة ربحية السهم في المدى القصير ولكنها تضر بكيانها التجاري وبحقوق المساهمين على المدى الطويل.

 

هذا بالضبط ما حدث في فضيحة شركة الطاقة الأمريكية المعلن إفلاسها في عام 2001 "إنرون". فقد كشفت التحقيقات عن أن الإدارة كانت متورطة في مخطط للتلاعب بقيمة "ربحية السهم"، وأنها لجأت إلى حيل محاسبية مخادعة لإخفاء الكثير من الديون التي كان يتم استخدامها في تمويل نمو الأرباح.

 

 

واليوم أصبح بإمكان الكثير من الشركات إثارة إعجاب مساهميها بسهولة، وذلك من خلال استخدام بعض الحيل المحاسبية لرفع قيمة "ربحية السهم". وهذا بالمناسبة قد يتم من خلال استخدام استراتيجيات قانونية تماما كعمليات إعادة شراء الأسهم أو صفقات الاندماج والاستحواذ وغيرهما من الاستراتيجيات الأخرى القادرة على تعزيز ربحية السهم بمعدل أسرع من الاستثمار الحقيقي لرأس المال.

 

ببساطة تذهب الشركة إلى البنك وتقترض بسعر فائدة متدنٍّ لتمويل عملية إعادة شراء أسهمها، لينخفض عدد الأسهم المصدرة وتزيد ربحية السهم على الفور بعد أن تم تقسيم نفس الأرباح بين عدد أقل من المساهمين، ويفرح المستثمر وتحصل الإدارة على المكافآت ويصبح الكل سعيدا.

 

"في وجود خيار مثل هذا، لماذا تدخل الشركة مشاريع طويلة الأجل وتتحمل مخاطرها؟ فإذا كان الهدف هو تعزيز ربحية السهم فيمكننا تحقيق ذلك بسرعة وبتكلفة أقل بطرق أخرى، وسيكون المستثمر أكثر من ممتن لنا" هذا هو لسان حال إدارات الكثير من الشركات.

 

ورغم قانونية وجاذبية هذا النهج إلا أن أثاره على المدى الطويل خطيرة جداً، ولذلك يجب على المستثمرين ومنظمي السوق على حد سواء القلق بشأنه. تعزيز ربحية السهم بهذه الطريقة لا يخلق سوى نمو وهمي، إذ إن أنشطة إعادة الشراء التي ترفع قيمة ربحية السهم ترتبط أحياناً بانخفاض مبيعات الشركة.

 

وهذا هو السبب في أن انتعاش سوق الأسهم في بعض الأحيان قد يخفي وراءه ركود الإنتاجية وضعف النمو الاقتصادي فضلاً على الضغوط الانكماشية. فالانطباعات الوردية المتكونة لدى المساهمين قد تتناقض بشكل كبير مع الاتجاه الحقيقي لأعمال الشركات والاقتصاد بشكل عام.

 

ذنب من؟

 

مقياس "ربحية السهم" بحد ذاته لا توجد به مشكلة، بل على العكس هو يعتبر واحداً من أكثر النسب المالية التي تساعد المستثمر والمحلل على حد سواء على فهم الشركة، لكن في نفس الوقت لا يمكن التعويل عليه كمؤشر باستطاعته توضيح ما إذا كانت الشركة تتمتع بصحة جيدة أو قادرة على الحفاظ على أدائها الحالي وخلق قيمة اقتصادية في المستقبل. بعبارة أخرى، لا يمكنك كمستثمر أن تبيع أو تشتري على أساسه فقط.

 

وفي الحقيقة إن أكثر من يستحق اللوم على هذا الوضع هو جمهور المستثمرين وبالأخص ضعيفي الخبرة منهم، إذ إنهم غالباً ما يركزون بشكل مبالغ فيه على مقاييس مثل "ربحية السهم" ويتجاهلون المؤشرات الأساسية الأخرى للنمو والتي بإمكانها أن توضح بشكل أفضل الحالة الصحية للشركة وقدرتها على النمو والتوسع بالمستقبل.

 

تعي الشركات جيداً أن أشياء مثل نمو المبيعات والتوسع في أسواق جديدة واتساع حجم الحصة السوقية من الممكن جداً ألا تشفع لها عند المساهمين (الأفراد تحديداً) في حال انخفض مؤشر واحد هو "ربحية السهم".

 

 

هذا الهوس بنسبة "ربحية السهم" من قبل المستثمرين يجعل الكثير من الشركات تحجم عن التوسع في إنفاقها الرأسمالي المنتج. ولكن ما لا يدركه هؤلاء هو أن فشل الشركات في التركيز على الإنفاق الرأسمالي المنتج هو العدو الأول للاستثمار طويل الأجل. إنفاق رأسمالي يعني الاستثمار في الأبحاث والتطوير وتوظيف المزيد من العمال وزيادة رواتب الموظفين وتدشين خطوط إنتاجية جديدة.

 

والمشكلة هي أنه حين يجدُّ الجد ويتعرض السوق أو الاقتصاد لهزة كاشفة ستعاني الشركات المتورطة في هذا النهج ومستثمريها لأن نسبة "ربحية السهم" المرتفعة التي كان يتم الكشف عنها باستمرار في النتائج المالية هي في حقيقتها نتيجة شكل من أشكال الهندسة المالية، ولا تعبر أبداً عن وجود تطور حقيقي بأعمال الشركة وأساسياتها المالية من شأنه أن يعظّم قيمة حقوق المساهمين.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة