نبض أرقام
02:24
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

حين يدفن المستثمر رأسه في الرمال.. كيف يفشل معظمنا في الإجابة عن هذا السؤال البسيط؟

2019/04/06 أرقام - خاص

تخيل أن هناك أربع أوراق لعب أمامك على الطاولة.. ويوجد على أحد جانبي كل ورقة من هذه الأوراق حرف أبجدي بينما يوجد رقم على الجانب الآخر. والجوانب الأربعة المكشوفة أمامك يظهر عليها التالي: "أ" و"3" و"ب" و"5".

 

 

إذا أخبرتك أن الورقة المكتوب على أحد جوانبها "أ" يجب أن يكون مكتوباً على جانبها الآخر رقم "3"، فما هي الأوراق التي سترغب في قلبها وكشف جانبها الآخر كي تعرف ما إذا كنت أخبرك الحقيقة أو لا؟

 

خذ وقتك وفكر ملياً في السؤال قبل أن تقفز إلى الأسفل لتعرف الجواب الصحيح.....

 

هل توصلت إلى الإجابة؟

 

 إذا توصلت إليها بالفعل فيمكننا إخبارك بكل ثقة أنك بنسبة 99% توصلت إلى الإجابة الخاطئة. ولكن لا داعي للشعور بالإحباط أو بخيبة الأمل، وذلك لأنك لست وحدك. ففي كتابه الصادر في عام 2010 تحت عنوان "الكتاب الصغير حول الاستثمار السلوكي" يشير "جيمس مونتيه" إلى أن 95% من مديري الصناديق الاستثمارية فشلوا في الإجابة عن هذا السؤال.

 

هذا السؤال هو واحد من أصعب الأسئلة التي تطرح على الناس، وذلك ببساطة لأن جوابه الخاطئ الذي نعتقد نحن أنه الجواب الصحيح واضح جداً.

 

الإجابة الأكثر شيوعاً عن هذا السؤال هي أنك ستقوم بقلب الورقتين المكتوب عليهما أمامك "أ" و"3" كي تتأكد مما إذا كانت العبارة التي أخبرتك إياها بالأعلى صحيحة أم لا. ولكن على الرغم من أن هذا يبدو فعلاً هو الجواب الصحيح والمنطقي إلا أنه ليس كذلك.

 

الإجابة الصحيحة هي أنك ستحتاج إلى قلب الورقتين المكتوب عليهما "أ" و"5". ولكن كيف هذا؟ سنوضح لك: أولاً اختيار الورقة "أ" يبدو مفهوماً ومنطقياً بالنسبة إلينا جميعاً، لأنك إذا قمت بقلبها ولم تجد رقم "3" على ظهرها فستكون بذلك أثبت أنني كذبت عليك.

 

نأتي الآن إلى الورقة المكتوب عليها "5". أنت إذا قلبت هذه الورقة ووجدت أنه مكتوب على ظهرها حرف "أ" فستكون بذلك أثبت أيضاً أنني كذبت، لأنني أخبرتك أن الورقة المكتوب على أحد جوانبها "أ" يجب أن يكون مكتوب على جانبها الآخر رقم "3" وليس "5".

 

قيامك بقلب أي ورقة أخرى غير هاتين الورقتين لن يفيدك في اختبار صدق العبارة التي أخبرتك إياها. على سبيل المثال، اختيارك قلب الورقة المكتوب عليها رقم "3" لن يفيدك لأنني لو تتذكر قلت لك التالي: "الورقة المكتوب على أحد جوانبها حرف أ يجب أن يكون مكتوباً على جانبها الآخر رقم 3. ولم أقل لك إن الورقة المكتوب على أحد جوانبها رقم 3 يجب أن يكون مكتوباً على جانبها الآخر حرف أ".

 

اختبار قابلية الدحض

 

ميلنا إلى اختيار الورقة المكتوب عليها رقم "3" يعكس تأثرنا بظاهرة يسميها خبراء علم النفس السلوكي "الانحياز التأكيدي". وهي ظاهرة نفسية تفسر سبب ميلنا كبشر إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد آراءنا ومعتقداتنا الحالية في حين نتجاهل تلك التي قد تدحض هذه الآراء والمعتقدات.

 

 

هذا الفشل السلوكي المتمثل في تفضيلنا للمعلومات التي تؤكد أفكارنا أو افتراضاتنا المسبقة -بغض النظر عن مدى صحتها- هو في حقيقته انتهاك مباشر للمبادئ التي وضعها فيلسوف العلوم النمساوي الإنجليزي والأستاذ السابق بكلية لندن للاقتصاد "كارل بوبر".

 

أشار "بوبر" إلى أن الطريقة الوحيدة لاختبار أي فرضية هي من خلال البحث عن جميع المعلومات التي تختلف معها في عملية تعرف باسم اختبار "قابلية الدحض" (Falsification). وفي كتابه الشهير "منطق الاكتشاف العلمي" الصادر في عام 1934، قال بوبر: "يفترض أن تكون النظرية بصيغة منطقية تتيح نقضها بواسطة اختبارات تجريبية؛ بمعنى آخر، ينبغي أن يكون النظام العلمي التجريبي متاحاً للتفنيد بواسطة التجربة".

 

ولكن للأسف يتجاهل جمهور المستثمرين هذه المبادئ بشكل كبير. وهذا هو السبب في شيوع ظاهرة الانحياز التأكيدي في مجال الاستثمار. ففي الواقع تشير الدراسات إلى أن احتمال بحثنا عن المعلومات التي تتفق معنا أكبر مرتين من احتمال بحثنا عن معلومات تناقض ما نعتقده.

 

ولماذا نذهب بعيداً؟ على "توتير" يتابع معظم الناس الأشخاص الذين يتفقون معهم في وجهات النظر والرؤى السياسية، ونشعر بالضيق وعدم الراحة إذا صادفنا رأياً آخر مناقضاً مهما كان منطقياً. يشبه هؤلاء نائب الرئيس الأمريكي الأسبق "ديك تشيني" الذي كان يجبر مساعديه على ضبط التلفاز في أي فندق ينزل به على قناة "فوكس نيوز" قبل أن يدخل إلى الغرفة.

 

 

من هم الناس الذين نحب أن نجالسهم؟ أولئك الذين يحملون أفكاراً مشابهة لتلك التي نحملها. ولكن لماذا؟ ببساطة لأننا ككائنات بشرية نشعر بالدفء والراحة متى تواجدنا في بيئة نرى فيها أفكارنا الخاصة تتكرر أمامنا. وفي نهاية جلسات كتلك يمكننا جميعاً أن نتفق على أننا أذكياء جداً. فكيف سنكتشف عكس ذلك إذا لم تكن هناك أفكار تناقض أو تدحض خاصتنا؟

 

لكن إذا كنا راغبين بصدق في اختبار أفكارنا، فيجب علينا أن نجلس مع الأشخاص الذين يختلفون معنا في الرأي، وهذا ليس لأننا سنغير آراءنا -فهذا على الأغلب لن يحدث لأن احتمال أن يغير الواحد منا رأيه عقب محادثة بسيطة هو واحد في المليون- ولكن حتى نسمع على الأقل الجانب الآخر من الحجة المضادة.

 

الاستثمار .. أهمية البحث عن وجهة النظر المضادة

 

إذن.. ما الذي يمكننا القيام به كمستثمرين لحماية أنفسنا من هذا الانحياز نحو البحث عن المعلومات التي تتفق مع أفكارنا المسبقة بغض النظر عن مدى صحتها؟ والإجابة البسيطة والواضحة لهذا السؤال هي أنه يجب علينا أن نتعلم كيفية البحث عن أدلة تثبت أن تحليلنا خاطئ. وهذا ما يفعله على سبيل المثال المستثمر الأمريكي الشهير " جوليان روبرتسون" والذي يصر دائماً على البحث عن وجهة نظر عكسية تناقض تلك التي يتبناها.

 

كغيره من كبار المستثمرين يدرك "روبرتسون" أن الانحياز التأكيدي يدفعنا إلى التركيز فقط على المعلومات التي تشعرنا بالرضا عن استثماراتنا الحالية. فعلى سبيل المثال إذا كنت تمتلك أسهما في الشركة "س" فأنت سترغب في الشعور بالرضا عن قرارك، لذلك من الطبيعي جداً أن تبحث عن المعلومات التي من شأنها أن تدعم قرارك وتشعرك بالراحة تجاهه. ولكن ذلك سينعكس في النهاية بشكل سلبي على أداء محفظتك.

 

 

نفس الفكرة تنطبق على الأدوات الاستثمارية التي لا تحبها. فعلى سبيل المثال إذا لم تكن من جمهور مؤيد لقطاع بعينه أو صناعة ستجد نفسك تركز بشكل مبالغ فيه على الأخبار السلبية حول هذه الصناعة، لأن هذا سيعزز شكوكك حولها ويدعم اعتقادك بأن قرارك بعدم الاستثمار بها صحيح، مما يشعرك بالراحة.

 

لكن لحظة، نحن لا نقول إن وجهة نظرك الحالية سواء مع أو ضد أي نوع معين من الاستثمار غير صحيحة، ولكن ما نحاول قوله هو أننا كمستثمرين بحاجة لأن نكون منفتحين على المعلومات التي تتحدى أفكارنا الخاصة. لأن تفاعلنا مع هذه المعلومات بدلاً من تجاهلها يجعلنا على الأقل مجهزين بشكل أفضل للدفاع عن أفكارنا الحالية.

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة