اشتهرت السيارات الصينية طويلًا، كغيرها من المنتجات التي يضيفها ثاني أكبر اقتصاد في العالم إلى الأسواق الدولية، برخص التكلفة ورداءة الجودة في الوقت ذاته، لكن كل هذه المفاهيم بدأت في التبدل وباتت المركبات الصينية منافسًا للعلامات الكبرى كما ناقشنا في تقرير سابق.
ولعل أحد أبرز اللاعبين في صناعة السيارات الصينية الآن، هي شركة "جيلي"، التي لم تستطع تثبيت قواعدها في السوق عبر التصميمات المميزة منخفضة التكلفة فحسب، وإنما توسعت في الخارج بالاستحواذ على شركات عالمية مثل "فولفو" وامتلكت حصة في "دايملر".
نجاح "جيلي" واتساع نطاق أعمالها، كان إحدى مكافآت القدر لمؤسسها "لي شوفو"، الذي بدأ حياته المهنية مصورا فوتوغرافيا، والذي أخفق في العديد من الأنشطة التجارية بعد ذلك، لكنه لم يمل، حتى إنه رحل عن "جيلي" بعد تأسيسها تحت وطأة الضغوط الحكومية.
بداية متواضعة
- وُلد "لي شوفو" عام 1963، في تايتسو بمقاطعة تشجيانغ، وترعرع في بلدة ريفية، حيث كان من الترف امتلاك سيارة أو الذهاب في رحلة جوية، لكنه أظهر حبه للسيارات في وقت مبكر عندما صمم أول نموذج مصغر له (لعبة).
- استلهم "شوفو" تصميمه من سيارات العلم الأحمر التي كان يشاهدها عند المطار العسكري القريب من بلدته، وبجانب شغفه بالسيارات، عُرف بحبه وممارسته للشعر والموسيقى في أوقات فراغه، بحسب موقع "ساكسِس ستوري".
- حصل "شوفو" على شهادة البكالوريوس في الهندسة الإدارية من جامعة هاربين للعلوم والتكنولوجيا، ثم نال درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من جامعة يانشان في وقت لاحق، ليضع قدمه على الطريق الصحيح نحو بلوغ مبتغاه.
- فور تخرجه في الجامعة عام 1982، اشترى "شوفو" كاميرا "سي جَال" (واحدة من العلامات التجارية التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في الصين آنذاك)، مستعينًا بوالده الذي منحه 16 دولارًا لبدء مشواره المهني الخاص، بحسب موقع "تشاينا كار هيستوي".
- كانت فكرة "شوفو" بسيطة، وهي التقاط الصور للسياح في المواقع ذات المناظر الخلابة والمعالم الشهيرة، واستطاع من خلال هذه المهنة ادخار ما يكفي لافتتاح متجره الخاص للتصوير، وهو النشاط التجاري الذي أكسبه أول مليون يوان (150 ألف دولار) في مسيرته.
- في البداية لم تكن كاميرته الرخيصة مناسبة لمواصلة مهنة التصوير، لكن مع الانتقال إلى الاستوديو الخاص به تغيرت الأمور وأحضر معدات أكثر تطورًا، ثم انتقل لاحقًا إلى محاولة استخلاص الذهب والفضة من الإلكترونيات المستعملة، لكنه لم يتحمل المنافسة.
ميلاد "جيلي"
- مع نشاط التصوير، وفشل أعمال استخلاص الذهب، قرر "شوفو" تصنيع مكونات الثلاجات، واستطاع بدء نشاطه الخاص في هذا المجال الذي وصلت قيمته عند مرحلة ما إلى نحو 500 مليون يوان، ثم بدأ تصنيع ثلاجاته الخاصة تحت العلامة التجارية "أركتيك فلوار".
- كان "شوفو" في ذلك الوقت قد أسس شركة "جيلي"، والتي تعني في اللغة الصينية "محظوظ" (بتمويل عائلي)، وركزت في البداية على إنتاج الثلاجات، وقدمت بعد ذلك سلسلة من المنتجات الرخيصة للسوق المحلي، بحسب موقع "موتور رادار".
- بحلول عام 1989، بدأت الحكومة المركزية في منح التراخيص لإنتاج الثلاجات، لكن علامة "أركتيك" لم تكن من المحظوظين الذين حصلوا على الترخيص، ومع المنافسة الشديدة في هذا المجال، اضطر "شوفو" للخروج منه.
- بعد ذلك، وعقب احتجاجات ساحة "تيانانمن" الشهيرة التي وقعت في نفس العام وتسببت في سقوط مئات القتلى والجرحى وإحداث تغييرات سياسية واقتصادية، تسلمت الحكومة إدارة الشركة لفترة ركز فيها "شوفو" جهوده على الدراسة وأعمال أخرى.
- في عام 1991، أسس "شوفو" وشقيقه "لي زوبينغ" مصنعًا لإنتاج ألواح من المغنيسيوم والألومنيوم تُستخدم في أعمال الزينة والديكور، ولا يزال هذا المصنع قائمًا ضمن مجموعة "جيلي جروب" إلى الآن.
لا يرضى إلا بالأفضل
- في عام 1993، تولى "شوفو" زمام الأمور في شركته مرة أخرى وبدأ نشاطًا لإنتاج الدراجات النارية بدا مربحًا، حيث كان يبيع الوحدة بنصف ثمن نظيرتها اليابانية، ووصلت صادراته إلى 22 دولة، لكن سرعان ما فشل مع تزايد أعداد المنافسين.
- بعد أربعة أعوام، قرر "شوفو" العودة إلى حلم الطفولة، وشرع في إنتاج السيارات من مصنع قديم، وخرجت للعلن السيارة الأولى من إنتاجه في الثامن من أغسطس عام 1998، لكن الرجل لم يكن راضيًا عن هذا النموذج وقرر حظر بيعه.
- حتى النموذج الثاني لم يستوفِ المعايير المطلوبة، وفي عام 2000 تبين أن السيارات التي تنتجها وحدته الثانية "في نينغبو" رديئة بشكل كبير، لكن مع انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، تحولت الأمور واستطاع "شوفو" تصميم وإنتاج سيارات حقيقية.
- أطلق على سيارته الأولى اسم "فري كروزر"، وكانت من تصميم شركة "دايو" الكورية الجنوبية، وتم تقديمها للعالم في معرض دولي عام 2002، أي قبل 7 سنوات من استحواذ "جيلي" على "دي إس آي" الأسترالية.
- بعد إطلاق سيارته الأولى بنجاح عام 2002، فكر "شوفو" جديًا في شراء "فولفو" من "فورد موتور"، لكن الأخيرة رفضت، باعتبار الشركة الصينية غير ناضجة بما يكفي لإدارة الأعمال.
ثمرة النجاح
- في النهاية، استحوذت "جيلي" على "فولفو" عام 2010 مقابل 1.5 مليار دولار تقريبًا، وخاضت غمار معركة طويلة لإحداث تحول إيجابي في أعمال الشركة السويدية للسيارات الفاخرة، وأنقذتها من الاضطرابات التي كانت تعصف بها آنذاك، بحسب "بلومبرج".
- في فبراير عام 2018، كشفت تقارير عن استحواذ "جيلي" على حصة نسبتها 10% في صانعة السيارات والشاحنات الألمانية "دايملر"، والتي تمتلك "مرسيدس بنز" التي أحبها "شوفو" وتأثر بتصميماتها كثيرًا في صغره.
- تبلغ ثروة "شوفو" حاليًا نحو 13.1 مليار دولار، وهو مؤسس وأكبر مساهم في شركة "تشجيانغ جيلي" القابضة، والتي يندرج تحتها مجموعة من الشركات المنتجة للسيارات (30 نموذجا) ومكوناتها.
- بالنسبة لأعمال شركة السيارات "جيلي أوتوموبيل هولدنجز" فتصل قيمتها إلى نحو 27 مليار دولار، ويعمل بها قرابة 42 ألف موظف، وتتجاوز مبيعاتها السنوية 13 مليار دولار، بحسب "فوربس".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}