نبض أرقام
02:19
توقيت مكة المكرمة

2024/08/25
2024/08/24

الصراع الأزلي حول التجارة والنفوذ.. هل يعيد التاريخ نفسه بسبب "طريق الحرير"؟

2019/04/12 أرقام - خاص

في العاشر من يوليو عام 1652 أعلن الكومنولث البريطاني الحرب على هولندا، بعدما عكف القائد العسكري "أوليفر كرومويل" طويلًا على تعزيز سلاح البحرية التابع للبلاد، ويرجع ذلك لتركيزه الشديد على هزيمة الهولنديين في معركة غير حربية في المقام الأول.

 

كانت هولندا تجاوزت البرتغال لتصبح أكبر تاجر أوروبي مع آسيا محققة مكاسب هائلة، وسرعان ما امتلكت أكبر أسطول تجاري في القارة العجوز، والذي تجاوز جميع الأساطيل الأوروبية مجتمعة.

 

هذا التفوق أثار مخاوف المملكة المتحدة التي كانت ترغب في إحكام السيطرة على جميع طرق التجارة والمستعمرات التابع لها، وبعد اندلاع الحرب تحقق لها ذلك بإحكام السيطرة على البحار المحيطة بإنجلترا، ما قادها إلى احتكار التجارة مع جميع مستعمراتها.
 

 

غالبًا ما كانت التجارة سببًا لنشوب الحروب والصراعات بين الأمم منذ القدم، لكن مع بعض الاختلاف في التفاصيل، ففي حين كانت هناك مساع للسيطرة على مراكز التجارة كما فعلت المملكة المتحدة مع هولندا، سعى البعض لتأمين إمداداته من السلع تحت تهديد السلاح.

 

ولعل حرب الأفيون التي شنتها المملكة المتحدة على الصين في القرن التاسع عشر، كانت من أبرز هذه الصدمات، حيث رغب الجانب البريطاني في تأمين قدر كاف من إمدادات بعض المنتجات.

 

كانت الصين قد أثبتت على مدار قرون قبل هذه الحرب، أنها منجم للعديد من الموارد والمنتجات التي يطاردها التجار والمستهلكون على حد سواء، ويرجع الفضل في ذلك إلى طريق الحرير الذي ربطها بالعديد من دول الجوار وامتد حتى أوروبا.

 

طريق الحرير الذي تم تدشينه خلال فترة ما بين القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، هو في الحقيقة سلسلة من المسارات والمراكز التجارية التي لم تكن سبيلًا فقط لتسيير حركة التجارة بين الشرق والغرب في القدم، وكان فرصة لانفتاح الصين على باقي الأمم.

 


 

نافذة الصين على العالم
 

- من بين أبرز دلائل انفتاح الصين على العالم عقب تدشين هذا الطريق خلال حكم سلالة الهان (امتد خلال الفترة بين عام 206 قبل الميلاد إلى 220 بعد الميلاد)، بدأ تصدير الحرير إلى باقي دول العالم، بعدما اعتبر طويلًا أحد الاكتشافات الخاصة بالحضارة الصينية.
 

- وفقًا لموقع منظمة اليونيسكو، فإن الموطن الرئيسي للحرير قديمًا كان الصين، حيث بدأت صناعته في البلاد عام 2700 قبل الميلاد، واعتبر أحد المنتجات النفيسة والمقصور استخدامها على البلاط الإمبراطوري، حتى أنه كان يتم إعدام أي شخص يفشي سر إنتاجه للأغراب.
 

- لكنه استخدم بعد ذلك في بناء العلاقات الدبلوماسية (كهدية للقادة في البلدان الأخرى)، قبل التوسع في تجارته على يد الهان، وقد عثر على منتجات حريرية صينية في مصر وشمال منغوليا ومواقع أخرى من العالم.
 

- مع ذلك، اكتسب الطريق مسماه هذا، في عام 1877 عندما استخدمه الجغرافي والمؤرخ الألماني "فرديناند فون ريشتهوفن" لأول مرة، لكن صادرات البلاد عبر هذه المسارات شملت مجموعة متنوعة من المنتجات.
 

- كان أبرزها الفواكه والخضراوات والماشية والحبوب والجلود والمعدات والأعمال الفنية والأحجار الكريمة والمعادن، لكن أهم ما انتقل عبر طريق الحرير كانت اللغات والثقافة والمعتقدات والفلسفة والعلوم، كما يوضح موقع "هيستوري" للتاريخ في تقرير له.
 

 

إحياء الأمل والخوف
 

- علي أي حال، ونظرًا لطبيعة الحياة التي تشهد صعودا قويا وهبوطا في أوقات أخرى وفي ظل الصراعات التي شهدتها أوروبا، تم قطع طريق الحرير في منتصف القرن الخامس عشر، وتوقف استخدامه تمامًا منذ ذلك الحين.
 

- الآن وبعد مرور نحو ستة قرون، عادت الصين لتُحيي شريان نفوذها العالمي قديمًا، بتقديمها مبادرة "الحزام والطريق" لإحياء طريق الحرير مرة أخرى، ولكون بعض الأمور لا تتبدل في هذا العالم، فإن المشروع الحالم للبلد الآسيوي يواجه معارضة شرسة من القوى الغربية.
 

- في أواخر مارس، أعلنت إيطاليا دعمها رسميًا لمبادرة الحزام والطريق، لتصبح أول بلد من الدول السبع الصناعية التي تنضم إلى الصين في جهودها لإحياء طريق الحرير، لكن روما تعرضت لانتقادات واسعة على الجبهة الأوروبية ومن الجانب الأمريكي جراء هذا الإعلان.
 

- المبادرة المكونة من عدة مشروعة بقيمة مئات مليارات الدولارات، تشمل مساحات ممتدة من آسيا وأوروبا الشرقية وإفريقيا وحتى أجزاء من منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، لكنه يظل بلا أثر مباشر على الولايات المتحدة وأمريكا الشمالية.
 

 

- وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، فإن مبادرة الحزام والطريق تغطي نحو 65 دولة يبلغ تعداد سكانها 4.4 مليار نسمة، وتشمل ثلثي الأراضي في العالم و70% من موارد الطاقة، لكن كل هذه العناصر لا تربطها شبكة موثوقة للطاقة والنقل والاتصالات.
 

- تدشين المشروع بالكامل، يعني إلى حد كبير أن القرن الحادي والعشرين سيصبح قرن الصين بلا منازع، وفقًا لصحيفة "ذا جلوبال آند ميل" الكندية، حيث تعلق الدول الأصغر خاصة في إفريقيا آمالها في التحسن الاقتصادي على الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا.

 

مم تخشى الولايات المتحدة؟
 

- قبل توقيع إيطاليا للاتفاق المبدئي بدعم المبادرة، كانت قد أبدت تأييدها له علنًا، وهو ما قوبل بالتحذير من قبل مسؤولين أمنيين أمريكيين قالوا إن على روما ألا تضفي مشروعية على هذا المشروع الصيني للبنية التحتية، إنها مجرد خطة للتباهي.
 

- في تقرير نشره عبر موقعه، قال مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في واشنطن: رغم أن خطاب الرئيس الصيني "شي جين بينغ" حول المشروع يشير إلى وضع يكون الجميع فيه رابحين، يظل المشروع يمثل تهديدًا استراتيجيًا طويل الأمد للمصالح الأمريكية حول العالم.
 

- أضاف المركز في تقريره: هناك أدلة كافية الآن تشير إلى أن المشروع الذي كشفت عنه بكين عام 2013، يتجاوز كونه مجرد خطة تنمية اقتصادية ليبيرالية، وإنما أشبه باستراتيجية استعمارية وطموح إمبريالي صيني مستتر.
 

 

- ذهب المركز في تحليله إلى ما هو أبعد من ذلك قائلًا إن المبادرة جزء من استراتيجية "شي" القومية الكبرى لضمان بقائه والحزب الشيوعي في سدة الحكم، مضيفًا أن المشروع يوفر الطريق اللازم لتجديد شباب الأمة الصينية وتحقيق طموحاتها في الهيمنة الإقليمية، وربما العالمية أيضًا.
 

- في تقرير لها، تقول مجلة "ذا ناشونال إنترست" التي تصدر عن مركز الدراسات والأبحاث الذي أسسه الرئيس الأمريكي السابق "ريتشارد نيكسون": الصين تعطي الولايات المتحدة ومواطنيها سببًا كبيرًا للقلق منها، وهو نموها بوتيرة أسرع كثيرًا من أمريكا (6% سنويًا تقريبًا).
 

- من الواضح أيضًا أن بكين تريد تغيير الترتيبات الاقتصادية العالمية الحالية، فهي تطالب بأجزاء كبيرة من بحري الصين الشرقي والجنوبي، وهددت تدفقات التجارة من وإلى جيرانها لتحقيق هدفها، بحسب ما ذكرته المجلة.
 

- يبدو أن إحياء طريق الحرير لن يُحيي معه حركة التجارة والتبادل الثقافي بين الأمم على طرفي العالم، لكن سيعيد أيضًا الخلافات المتعلقة بالنفوذ والهيمنة التجارية والسياسية إلى الواجهة.
 

- في حين تعكف القوى الكبرى على حسم خلافاتها التجارية بطرق دبلوماسية تقوم على الحوار (وأحيانًا أخرى غير دبلوماسية مثل التعريفات الجمركية) يبقى السؤال؛ كيف لها تسوية المسائل المتعلقة بالنفوذ؟

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة