نبض أرقام
11:44 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/11/24
2024/11/23

هل ستفلس الولايات المتحدة؟ .. الخط الرفيع بين الحقيقة والخرافة

2019/05/18 أرقام - خاص

"العلم الكئيب".. هكذا اعتاد كثيرون وصف علم الاقتصاد الذي يطغى فيه الجانب النظري على الجانب العملي على عكس غيره من العلوم. وهذه الطبيعة النظرية لعلم الاقتصاد هي ما تجعله عرضة أكثر من غيره للتحيزات العقلية والنفسية المختلفة، وتجعله كذلك أرضاً خصبة للخرافات والأساطير.

 

 

والمشكلة هي أن الكثير من الخرافات والأساطير والنظريات الخاطئة حول علم الاقتصاد التي يروجها البعض عن عمد أو جهل تعرقل قدرتنا على فهم كيفية عمل النظامين المالي والنقدي والسياسات العامة والاقتصاد بشكل عام.
 

طبيعة النظام
 

واحدة من أكثر الخرافات الاقتصادية المنتشرة في الأوساط الشعبية هي فكرة أن الحكومة الأمريكية مفلسة أو ربما تعجز عن سداد ديونها التي تتجاوز حالياً 20 تريليون دولار.

ورغم أن جزءا من المنطلقات المبنية عليها هذه الفكرة صحيح إلى حد كبير إلا أنها في نفس الوقت مضللة للغاية.

 

المشكلة هي أن كثيرين يعاملون الميزانية العمومية للحكومة الأمريكية بنفس الطريقة التي يعاملون بها الميزانية العمومية للشركات مثلاً، متجاهلين فارقا مهما جداً يتمثل في سلطة الحكومة كمصدر حصري ووحيد للعملة المحلية.
 

تتمتع الحكومة الأمريكية بسلطة فرض الضرائب على اقتصاد حجمه يشكل حوالي 22% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وهو ما يتيح لها الوصول إلى كمية من الإيرادات لا يحصل عليها أي بلد آخر على سطح الكوكب.



 

على الجانب الآخر، يمتلك الكونجرس نظرياً السلطة للسماح للبنك المركزي بشراء جميع السندات التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية. وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية بإمكانها أن تمول عجزها المالي من خلال كيان تابع لها، وهو ما يلغي خطر تخلفها عن السداد.
 

في الوقت نفسه، تمتلك الولايات المتحدة محفظة هائلة من الأصول نادراً ما يشار إليها في وسائل الإعلام الرئيسية. على سبيل المثال تشير تقديرات معهد أبحاث الطاقة إلى أن موارد الوقود الأحفوري التابعة للحكومة الأمريكية تقترب قيمتها من حوالي 155 تريليون دولار، وهو ما يعادل تقريباً نحو 10 أضعاف الدين الوطني الأمريكي.
 

هذا طبعاً خلاف قيمة الأراضي والمناطق البحرية والموارد المعدنية المملوكة للحكومة الفيدرالية والديون المملوكة لكل من مجلس الاحتياطي الفيدرالي وصندوق الضمان الاجتماعي. فقيمة هذه الأصول تفوق بالتأكيد قيمة التزامات الحكومة بهامش كبير جداً.
 

المشكلة الحقيقية
 

النقطة السابقة وضحها بشكل أفضل باحثان بفرع مجلس الاحتياطي الفيدرالي بسانت لويس في تقرير تم نشره في عام 2011 يقولان فيه:
 

"بصفتها الجهة الوحيدة المصدرة للدولار، وهي ذات العملة التي تقيم بها ديونها لا يمكن أن تتعسر الحكومة الأمريكية أو تصبح غير قادرة على سداد التزاماتها. وهذا يعني أن الحكومة الأمريكية لا تعتمد في الحقيقة على أسواق الائتمان لتحافظ على سير أعمالها".
 

"علاوة على ذلك، يوجد هناك دائمًا سوق للديون الحكومية الأمريكية في الداخل المحلي، حيث إن الحكومة الفيدرالية تمتلك الوسيلة الوحيدة لإنشاء أصول مقومة بالدولار خالية من المخاطر".



 

كل ما سبق لا يعني أن الحكومة الأمريكية بإمكانها أن تنفق كيفما تشاء دون أي عواقب سلبية. كل ما في الأمر هو أن الحكومة الأمريكية والحكومات بشكل عام لديها قيود مختلفة عن تلك الخاصة بالشركات.

فلا تستطيع الشركات مثلاً فرض الضرائب أو طباعة الدولار أو اقتراض أموال بمعدل فائدة باستطاعة البنك المركزي تحديده. وهذا هو السبب وراء قدرة الولايات المتحدة على تحمل العجز المستمر في ميزانيتها العمومية خلال معظم تاريخها.

 

من المهم أيضاً أن ندرك أن مشكلة الحكومة الأمريكية ليست فكرة عجزها عن سداد التزاماتها حيث إن ذلك غير ممكن عملياً، وإنما هي حجم السيولة المتوفر لدى القطاع الخاص والتي تتحكم بشكل أساسي في معدل التضخم. وبالتالي فإن المعضلة الحقيقة التي تواجهها الحكومة الأمريكية هي التضخم وليس الملاءة المالية.
 

هل الولايات المتحدة هي اليونان القادمة؟
 

خلقت الأزمة المالية الأخيرة في أوروبا قدراً كبيرًا من القلق بشأن احتمال سير الولايات المتحدة على خطى اليونان، على اعتبار أن أمريكا هي الأخرى لديها قدر كبير من الديون. ولكن ما يفشل البعض في إدراكه هو أن وضع اليونان مختلف تماماً عن وضع الولايات المتحدة.
 

الاتحاد النقدي الحاصل بين دول أوروبا يشبه الولايات المتحدة من حيث أن الدول الأوروبية تشترك في عملة واحدة وهي اليورو كما هو حاصل بين الولايات الأمريكية التي يجمع بينها الدولار.
 

لا يمكن لأي ولاية من الولايات الأمريكية الخمسين إصدار عملة خاصة بها، حيث إنها جميعاً مستخدمة لنفس العملة وهو ما يعني أنه لا وجود لسعر صرف عائم. في المقابل نجد أنه في أوروبا لا توجد حكومة اتحادية موحدة ولا خزانة مركزية ولا بنك مركزي موحد.

ونتيجة لذلك فإن جميع أعضاء الاتحاد النقدي الأوروبي (EMU) مستخدمون لعملة لا يمكن لأي منهم إصدارها.

 

لذلك عندما تواجه بلد مثل اليونان تباطؤًا اقتصاديًا لا يمكنها تحفيز اقتصادها عن طريق طباعة العملة وضخها لأنها لا تمتلك هذا الخيار أصلاً. وهكذا يصبح خيارها الوحيد هو الاعتماد على إعادة التوازن بين الأجور والأسعار خلال فترات الانكماش والكساد.



 

وبنفس الطريقة، عندما يزدهر الاقتصاد اليوناني فلا يوجد لدى أثينا بنك مركزي يمكنه رفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، ولا يمكن للمركزي الأوروبي مساعدتها في ذلك حيث إن قراراته بخصوص رفع أو خفض أسعار الفائدة يتم تطبيقها على الاتحاد بأكمله وليس على بلد بعينه.
 

على الجهة الأخرى، نجد أن الولايات المتحدة لديها اتحاد نقدي تعاوني وحكومة فيدرالية موحدة وخزانة مركزية وبنك مركزي، وهي الجهات التي تعمل جميعها معاً. والسبب وراء أن الولايات الأمريكية لا تواجه مشاكل تتعلق بالملاءة المالية هو أنها تتلقى بشكل مستمر مساعادت من الحكومة الفيدرالية.
 

أخيراً، ما دامت القاعدة الإنتاجية للولايات المتحدة ثابتة وما دام الدولار هو عملة الاحتياط الأولى في العالم، فيجب ألا نتوقع مواجهة الولايات المتحدة أي مشكلة في سداد التزاماتها، ناهيك باحتمال إفلاسها.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.