"لا تضع البيض كله في سلة واحدة" هذه العبارة التي عادة ما تستهل النقاشات أو المقالات التي تدور حول الضرورة والحاجة المُلحة لتنويع الأصول في المحفظة الاستثمارية بغرض تقليل المخاطر والحد من الخسائر المحتملة في أوقات الاضطراب.
نعم لا شك أن التنويع من أهم إستراتيجيات الاستثمار التي ينصح بها المحللون والمستشارون الماليون، وهو أمر يبدو منطقيًا لكل من أراد بناء محفظة متماسكة من الأصول بغرض تعظيم قيمة رأس ماله أو حتى لمطاردة الأرباح، فعلى كل الأحوال هو وسيلة للحماية.
لكنه ليس كذلك دائمًا، ورغم منافعه، أحيانًا يكون له مساوئ وقد يكون مفرطًا، ما يجعله يفقد معناه، فمثلًا يمكن للمستثمر أن يشتري في عدد من صناديق الاستثمار المتداولة أو صناديق الاستثمار المشترك التي تتعقب أحد المؤشرات الرئيسية، رغم أن أحد هذه الصناديق يكفيه لتأمين التنوع المطلوب.
متى يصبح مضرًا؟
- هناك أربعة أسباب رئيسية قد تجعل التنويع مضرًا بالمحفظة الاستثمارية، أولها، أن منافع هذه الإستراتيجية تتلاشى سريعًا عند زيادة حيازات المحفظة بشكل مفرط، بحسب تقرير لمجلة "يو إس نيوز".
- ثانيًا، التنويع المفرط يضمن بالكاد تحقيق أداء متوسط في أحسن الأحوال، وثالثًا، لا يُحقق قيمة مضافة للمحفظة إلا بانتقاء الأصول المتفوقة بالفعل، رابعًا وأخيرًا، إذا كان المستثمر ينوي تنويع محفظته بالفعل فعليه القيام بذلك بشكل صحيح.
- بشكل عام، تؤثر مخاطر السوق على الأسهم بشكل عشوائي، ولا يمكن تنويعها بشكل أعمق عبر توسيع مجموعة الأصول، وبغض النظر عن مدى التنوع، فإذا كانت البيانات الاقتصادية تتدهور، فكل شيء سيكون عرضة للانخفاض.
- هناك أيضًا المخاطر الخاصة بالشركات، ونظريًا يمكن التغلب عليها عبر توزيع الاستثمارات في أسهم مختلفة، ووفقًا لورقة بحثية نشرها "لورنس فيشر" و"جيمس لوري" عام 1970، فإن 95% من المخاطر الخاصة يمكن تلافيها عبر امتلاك محفظة من 32 سهمًا.
- لكن من المألوف الآن وجود محافظ تضم صناديق استثمار مشترك، قد تحتوي على أكثر من 5 آلاف سهم، وعلى جانب آخر، فإن التكاليف المرتبطة بامتلاك أسهم فردية كثيرة تجعل حتى تحقيق المحفظة لأداء متوسط أمرًا غير ممكن، وهذا بسبب تراجع أداء العديد من صناديق الاستثمار.
ما ينبغي فعله
- ينبغي للمدير الماهر أن يراهن على مراكز أكثر تركيزًا من أجل الاستفادة بمزايا الأسهم الأفضل أداءً، ويقول محللون في مجال التمويل والأسهم إنه من المؤسف تشكيل مديري الأصول لمحافظ تتألف من مئات الأسهم.
- كل شركة فريدة من نوعها ولها سمات أساسية، وإذا كان سعرها مغريا، فيكفي ذلك لضمان استثمار ناجح، مع العلم أن التنويع لا ينبغي أن يمتد ليشمل أصولا مادية بديلة لمجرد التنويع فحسب، فإضافة أصل ضعيف الأداء يزيد التقلبات ويضعف الأداء العام للمحفظة.
- إضافة أصل مميز للمحفظة يعني التأكد من عدم ارتباطه بمكوناتها، فمثلًا إذا كانت تركز بالفعل على قطاع الرعاية الصحية، فإن إضافة شركة أدوية لها لن يضمن لها المنافع المرجوة من إستراتيجية التنويع، فغالبًا ما تواجه الشركات في صناعة واحدة نفس الصعاب.
- بالمخالفة لنتائج أبحاث "فيشر" و"لوري"، يقول مستشار الاستثمار لدى "نورثمان فاينانشال"، "سامويل وزر"، إن الكثيرين يقدرون النقطة التي يحدث عندها الإفراط في التنويع حينما تتشكل المحفظة مما يزيد على 20 سهمًا، وفقًا لـ"سي إن إن".
- عندما يمتلك المستثمر حيازات في عدد من صناديق الاستثمار، كما أشرنا في الأعلى، فإنه لا يحقق التنوع بالضرورة، وإذا كانت هذه الصناديق تتعقب المؤشر نفسه، فغالبًا ستحقق عائدات متقاربة للغاية (إن لم تكن متطابقة)، والتنويع الصحيح يعني شراء مزيج من الأسهم المختلفة من حيث الحجم والجاذبية والقطاع والمنطقة الجغرافية.
سابقة إخفاق كبير
- لسنوات، اتبعت المؤسسات الاستثمارية إستراتيجيات موحدة، وحافظت على شكل متشابه كثيرًا للمحافظ، حيث أبقت 60% من أصولها في الأسهم والبقية (40%) في مصادر الدخل الثابت، ونجح هذا الأسلوب خلال التسعينيات، لكنه حقق نتائج ضعيفة للغاية خلال العقد التالي.
- بحسب موقع "ذا ستريت" فإنه منذ أواخر العقد الأول من هذا القرن، بدأ المستشارون الماليون يتحدَّون طريقة التفكير تلك، بعدما فشلت في حماية المستثمرين خلال انهيار سوق الأسهم خلال الأزمة المالية.
- خلال العشر سنوات المنتهية في 2009، حققت المحفظة التي تشكلت أصولها من 60% من مكونات مؤشر "إس آند بي 500" و40% من مؤشر "باركليز أجريجيت بوند" للسندات، عائدًا ضئيلًا بلغ 2.3% سنويًا، علمًا بأنها سجلت خسائر نسبتها 22% خلال عام 2008.
- يرى مديرو أصول أن المستثمر الذي يتمسك بنسب تخصيصات ثابتة سوف يتعرض لخسائر كبيرة بشكل دوري، ويقولون إن عليه اتخاذ خطوات تكتيكية ويغير المخصصات باستمرار، فمثلًا قد تفرض المتغيرات عليه تكوين 60% من محفظته من الأسهم وقد يضطر لرفع هذه النسبة إلى 70% في عام آخر.
- عندما أصبحت المخاطر أكبر مع نهاية عام 2008، كانت المحفظة الاستثمارية القوية تتكون من 35% أسهما، لكن سرعان ما ارتفعت هذه النسبة خلال عامين إلى 70% مع استقرار الأسواق.
حالات غير منطقية للتنويع
- من غير المنطقي أن يسعى المستثمر لتنويع استثماره إذا كان المبلغ الذي ينوي فعل ذلك به صغيراً نسبياً، فمثلًا استثمار ألف دولار في عشرة أسهم مقابل عمولة للوسيط تتراوح بين 7 و10 دولارات للسهم الواحد، يعني تآكل 7% إلى 10% من المبلغ.
- بطبيعة الحال، إذا كان المستثمر لا يستطيع أن يظل على اطلاع بشأن كل الحيازات الموجودة في محفظته، فهو أمر غير مشجع لإضافة المزيد، كما ينصح المحللون بالابتعاد عن التنويع إذا اضطر المستثمر لفعل ذلك باستخدام أموال مقترضة من الوسيط الخاص به.
- الحالة الأكثر خطورة، هي اختيار المستثمر لمجموعة من الأصول التي تخفض من جودة حيازاته الاستثمارية، وليس من الحكمة أن يتخذ قرارًا بوضع أمواله في استثمارات جديدة بحجة التنوع، على حساب ما يعتقد أنها فرصة استثمارية رائعة، بحسب "ذا موتلي فول".
- يبقى القول إن مجموعة من كبار المستثمرين الأثرياء لا يعتمدون على إستراتيجية التنويع، مثل "وارن بافيت" و"جورج سوروس" و"ويليام أونيل" و"برنارد باروخ"، وجميعهم تحدثوا عن مزايا الاستثمارات المركزة، بحسب "فوربس".
- يقول "بافيت": "التنويع هو حماية ضد الجهل، ولا معنى له بالنسبة لأولئك الذين يعرفون ما يفعلونه"، فيما يقول "بيل جروس": "إذا كنت تحب سهما معينا، خصص له 10% أو أكثر من محفظتك، اجعل الفكرة تؤتي ثمارها، لا ينبغي أن تنوع استثمارك بالتخلي عن الأفكار الجيدة".
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}