أذكر القراء الكرام أولاً أن شركة أنعام الدولية هي شركة المواشي, التي تعمل في نشاط تجارة المواشي منذ عام 1982, واندمجت عام 1995م مع شركة المكيرش, في صفقة صاحبها ما صاحبها من إثارة وأقاويل آنذاك,وتغير اسمها بناء على ذلك إلى شركة المواشي المكيرش المتحدة.
وأعتقد أن هذا الاندماج كان الضربة القاصمة الأولى لشركة المواشي ولم تشف من آثارها حتى الآن, ومن عايش الصفقة آنذاك يعي جيداً ما أعنيه, وبالتأكيد فإن وزراة التجارة ومندوبها الذي حضر الجمعية العمومية التي أقرت عملية الاندماج لديه المزيد من التفاصيل, وأفضل ما يمكن أن يتم الاطلاع عليه تقارير التقييم الذي تمت من قبل شركات التقييم, خاصة الشركة المكلفة بالتقييم من قبل وزارة التجارة, التي لديها الخبر اليقين.
لم تحقق شركة أنعام (المواشي سابقاً) أي أرباح تذكر طوال تاريخها "المشرف", وعلى الرغم من تآكل معظم رأسمالها, وسلبية أدائها, وخسائرها المتراكمة.. على الرغم من ذلك, بلغت الكميات المتداولة على سهم "أنعام" خلال عام 2006 فقط 4.130 مليار سهم, في حين بلغت قيمة الأسهم المتداولة لأسهم الشركة خلال عام 2006 فقط 172 مليار ريال. المضحك المبكي في الموضوع أن شركة أنعام احتلت المركز الثالث من حيث حجم التداول لم يسبقها في ذلك سوى شركتي سابك والكهرباء, وبلغت قيمة الأسهم المتداولة على رأسمال شركة أنعام 143 ضعفاً في حين بلغت على "سابك" 92 ضعفاً ولـ "الكهرباء" 49 ضعفاً وشتان في المقارنة بين شركات مثل سابك والكهرباء وشركة مثل أنعام سواء من حيث الحجم أو النتائج أو النمو أو الأهمية أو الإدارة.. إلخ.
الحقيقة أنني أتمنى من كل قلبي أن تتم تصفية الشركة, ليس حسداً للمساهمين فيها أو رغبة فيما عند الشركة, ولكن لإراحة السوق والمجتمع الاقتصادي منها, فهذه الشركة كانت وما زالت مولوداً مشوهاً منذ أن تم اندماج "المواشي" مع "المكيرش" والشركة مثل المصاب بالملاريا أو السل ولم يشف منه فهو يتعافى يوما ويمرض أياماً, والسبب معروف لكل من عايش ذلك الاندماج, ثم بعد طفرة سوق الأسهم أصبح سهم "المواشي" مرتعاً خصباً للمضاربين والراغبين في الثراء السريع حتى إنه في كثير من الأحيان كان أكثر أسهم السوق تداولا على الرغم من النتائج السيئة للشركة على جميع الأصعدة.
اجتماع الشركة الأخير كان إيجابيا بكل المقاييس, فقد انتهى اجتماع الجمعية العمومية العادية بما كان متوقعاً من حيث الموافقة على استمرار الشركة ودعمها, كما قدم مجلس إدارة الشركة خطة منطقية لإعادة هيكلة رأس المال كان أهم بنودها تخفيض رأس المال بالخسائر المتراكمة وقدرها 1.090 مليون ريال, وهي بادرة لا أعرف أنها حدثت من قبل في شركة مساهمة عامة في السعودية, كما سيتم ضم مشروع عقاري ناجح بالتزامن مع التخفيض بقيمة نحو 400 مليون ريال, إضافة إلى دعم الشركة بقرض حسن قدره 240 مليون ريال مدفوع من قبل رئيس المجلس سيتحول مستقبلا إلى زيادة في رأس المال بالقيمة الاسمية للسهم, وإتاحة الفرصة لمن يرغب من المساهمين للمشاركة بالآلية نفسها, وهذه مبادرة إيجابية من المجلس ورئيسه لدعم الشركة, وسيكون أبرز نتائجها, إن تم ذلك فعلا, أن رأسمال الشركة سيكون 750 مليون ريال, ويتملك صاحب العقار ما نسبته 53 في المائة من رأسمال الشركة كما سيتملك رئيس المجلس 32 في المائة ويبقى للمساهمين الحاليين 15 في المائة من رأس المال, وإذا كان رئيس المجلس هو صاحب العقار فإنه سيتملك ما نسبته 85 في المائة من رأسمال الشركة, الذي لم يشرحه مجلس الإدارة هو كيفية تحسين أداء الشركة وهو الموضوع الأهم, إذ إن خطة الشركة المعلنة سابقاً ستغير نشاط الشركة تماماً من شركة متخصصة في تجارة المواشي إلى شركة استثمارية تعمل في المجال الاستثماري والعقاري والبتروكيماويات وحتى إنها ستعمل في مجال الوساطة في الأوراق المالية!! وهذا أمر يستحق الوقوف عنده من قبل الجهات الرسمية, إذ هل يمكن لأي شركة مدرجة في السوق أن تغير نشاطها 180 درجة بهذا الشكل؟! لا أملك الإجابة, كما أنني لم أطلع على أي تعليق من هيئة سوق المال أو وزارة التجارة والصناعة على توجه الشركة الذي أعلنه مجلس إدارتها قبل تعليق تداول سهم الشركة.
اللافت للنظر بعد الجمعية العمومية غير العادية هو تصريح رئيس مجلس الادارة في الصحف عن مساءلة مجلس الإدارة السابق عن الخسائر التي تبينت للشركة لاحقاً ولم تكن ظاهرة في القوائم المالية, وأدت هذه الخسائر إلى تآكل رأس المال إلى هذه الدرجة, وأعتقد أن الأولى بالمساءلة هو المحاسب القانوني للشركة, الذي يشير تقريره في كل عام إلى عدالة تمثيل القوائم المالية للشركة, ما يعني بشكل آخر عدم وجود أخطاء جوهرية في القوائم المالية, وأعتقد أن مثل هذا الإجراء سيحقق للشركة مبتغاها وسيظهر الحقائق بالشكل المناسب, حيث إن المبارزة الأخيرة ستكون بين المحاسبين القانونيين والفصل فيها سيكون لهيئة المحاسبين القانونيين, أما مساءلة مجلس الإدارة فأعتقد أن ذلك وإن كان ممكناً لكنه لن يحقق هدف الشركة, حيث إن مجالس إدارة الشركة التي تعاقبت على الشركة كانت دائما محملة بأحمال صفقة الاندماج الشهيرة.
تصريح رئيس المجلس بخصوص مساءلة مجلس الإدارة السابق يذكرني بمقابلة تمت في صحيفة "الاقتصادية" مع المستشار المالي لشركة أنعام ويدعى عداس وقد اتهم الإدارة السابقة للشركة بالتسبب في الخسائر, وقد كانت هذه المقابلة بعد أسابيع من تولي مجلس الإدارة الحالي أعماله, علماً بأن سعادة رئيس مجلس الإدارة نفى لاحقاً أي علاقة للمستشار المالي بالشركة على الرغم من أن المقابلة كانت في غرفة الاجتماعات الملحقة بمكتب سعادة رئيس مجلس الإدارة !! والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم تتخذ الشركة إجراءتها القانونية لمساءلة مجلس الإدارة السابق في ذلك التاريخ بدل أن تكون ردة فعل لإيقاف سهم الشركة؟!
كم أتمنى من كل متضرر مما حدث في شركة أنعام أو بيشة أو أي شركة أخرى أن يرفع دعوى قضائية على المتسبب سواء كان المحاسب القانوني أو مجلس إدارة الشركة أو الإدارة التنفيذية, حيث إن دعوى المتضررين من المساهمين أو مجالس الإدارة أو الموظفين السابقين ستكون سابقة إيجابية تحسب للإصلاح الذي يجب أن يصحح المفاهيم في السوق, ويدق ناقوس التنبيه لكل متلاعب أو مفتر أو مفسد حيث يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن, وهذا يقعد للقواعد الصحيحة في السوق وأهمها أن الحق لن تجلبه الهيئة أو وزارة التجارة لأصحابه فهم أولى بأخذ الحق لأنفسهم.