نبض أرقام
09:31 ص
توقيت مكة المكرمة

2025/04/26
2025/04/25

ماهية الاستغلال المبطل للعقد

2009/07/12 القبس ـ المحامي عبدالرزاق عبدالله

نقصد بالاستغلال هنا: ما يعيب الإرادة عند التعاقد حيث يكون احد المتعاقدين في حالة ضعف سواء كان بسبب نفسي كسلطة الأب او الزوج او صاحب العمل، او بسبب مادي مثل الحاجة إلى المال، وهذا الضعف او العيب في الإرادة لا يجعل العقد متكافئا، فلا يكون هناك تناسب بين التزام المتعاقد الذي فرض قوته والتزامات الطرف الآخر الضعيف.

ويجب التفريق بين الاستغلال والغبن او الغش عند عدم التعادل بين التزامات طرفي العقد، فمن الممكن الا يكون الغبن نتيجة الاستغلال، وكذلك فإن الاستغلال لا يقتصر تطبيقه على نوع معين من العقود فهو يقع على عقود المعاوضة وعقود التبرع، اما الغبن فنطاقه مقصور على عقود المعاوضة، والاستغلال فيه مسحه من مخالفة الشرف والاخلاق.

لذلك نصت المادة 159 من القانون المدني على انه: «اذا استغل شخص في آخر حاجة ملجئة، او طيشا بينا، او ضعفا ظاهرا، او هوى جامحا، او استغل فيه سطوته الأدبية عليه، وجعله بذلك يبرم لمصلحته او لمصلحة غيره عقدا ينطوي عند إبرامه على عدم تناسب باهظ بين ما يلتزم بأدائه بمقتضاه وما يجري عليه من نفع مادي او أدبي بحيث يكون إبرامه تنكرا ظاهرا لشرف التعامل ومقتضيات حسن النية. كان للقاضي بناء على طلب ضحية الاستغلال ووفقا للعدالة، ومراعاة لظروف الحالة، ان ينقص من التزاماته او ان يزيد من التزامات الطرف الآخر او ان يبطل العقد.

ومن استعراض النصوص السابقة يتبين ان للاستغلال عنصرين، الأول مادي وهو الغبن أي عدم التعادل الواضح بين المتعاقدين، والثاني نفسي او معنوي وهو حالة الضعف في الطرف الآخر والتي يستغلها المتعاقد معه. ولا يكفي في حالة الاستغلال عدم التعادل او التكافؤ بين الالتزامات لكلا الجانبين وهو الغبن، بل يجب ان يكون هذا الاختلال فادحا وغير مألوف في التعامل، فإن كان الغبن يسيرا والاختلال بسيطا فلا ينطبق نص المادة 159 الخاصة بعقود الاستغلال.

دور القاضي

ويتعين على القاضي فحص التزامات كلا الجانبين، فلا يكفي ان يكون التزام أحد الطرفين غير مألوف دون النظر الى التزام المتعاقد الآخر. فعلى سبيل المثال إذا كان السعر غير مألوف وينقص عن سعر السوق بدرجة كبيرة فيجب ان ينظر الى المبيع وشروط البيع. فقد يكون المبيع معيبا او احتوت شروط العقد التزامات غير مألوفة على عاتق المتعاقد الآخر مثلا.

والقاضي هو الذي يقدر عدم التناسب الباهظ الذي يؤثر في صحة العقد. اما إثبات الغبن فإنه يقع على من يدعيه. والعنصر النفسي المطلوب توافره في عقد الاستغلال يقتضي توافر ثلاثة شروط. الاول: هو توافر حالة الضعف لدى احد المتعاقدين والذي هو ضحية الاستغلال، وقد ذكرت المادة 195 من القانون المدني سالفة الإشارة خمس حالات تمثل أكثر حالات الضعف شيوعا وأولها: الحاجة الملحة التي يكون فيها المتعاقد والتي تضطره إلى إبرام العقد والقبول بشروط الطرف الآخر كالمريض او المدمن على المخدرات الذي يقبل بدفع مبالغ باهظة للخلاص من المرض او الألم، والحالة الثانية من حالات الضعف هي الطيش البين، ويقصد بها عدم رجاحة العقل وعدم إدراك عواقب الأمور والتسرع والتهور. ونشير الى أن الطيش المعيب للإرادة لا يشترط فيه حالة الاستمرار بل يكفي تحققه بصورة طارئة، ومن الحالات أيضا الهوى الجامح أي الولع والتعلق الشديد بشخص او بشيء او بأمر ما والذي يدفع المتعاقد إلى إبرام العقد دون الاكتراث لعواقب الأمور ونتائجها. وابلغ مثال على ذلك هو استغلال المرأة بولع الرجل بها. اما السطوة الأدبية وهي من حالات الضعف ويقصد بها السلطة او النفوذ الأدبي الذي يكون لشخص على آخر مثل نفوذ الأب على أولاده او الزوج على زوجته او صاحب العمل على من يعمل لديه.

ولقد جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني ان حالات الضعف المشار إليها بالمادة 159 جاءت على سبيل المثال وليس الحصر. ويمكن إبطال العقد تحت تأثير أي استغلال للضعف الإنساني بشكل عام.


ثبوت الاستغلال

وحتى تنطبق حالة الاستغلال فإنه إلى جانب الضعف الذي شاب إرادة أحد المتعاقدين، فإنه يجب ثبوت استغلال المتعاقد الآخر لهذا الضعف، وان هذا المتعاقد الضعيف (ضحية الاستغلال) ما كان يقدم على التعاقد لولا ضعفه. وإذا تحقق الاستغلال وتوافرت جميع شروطه فإن للقاضي بناء على طلب ضحية الاستغلال ان ينقص من التزاماته او ان يزيد التزامات الطرف الآخر، او ان يبطل العقد وذلك كله وفقا للعدالة ومراعاة ظروف الحال.

اما في عقود التبرع فإن للقاضي إنقاص قدر المال المتبرع به حسب تقديره لظروف الحال ومراعاة العدالة والظروف الأخرى، ويملك أيضا القاضي في عقود التبرع إبطال العقد، ولكن لا يستطيع بالطبع الزيادة في مقدار المال المتبرع به.

وتسقط دعوى الاستغلال بمضي سنة من وقت إبرام العقد او من تاريخ زوال تأثير الهوى او السطوة الأدبية، وفي جميع الأحوال تسقط دعوى الاستغلال جميعها بمضي خمس عشرة سنة من إبرام العقد ولو لم يكن تأثير الهوى او السطوة الأدبية قد زال.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.