نبض أرقام
07:00 م
توقيت مكة المكرمة

2025/02/05
2025/02/04

هل تنضم ماليزيا إلى مصاف القيادات العالمية؟

2010/07/06 الخليج ـ د . ابراهيم الدرمكى

سؤال لطالما طرحه قادة هذا البلد الذي تأسس عام ،1963 ومن ضمن الأجوبة على هذا السؤال كلمة رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد مع بداية تسعينيات القرن الماضي حيث قال: “مواليد ماليزيا اليوم هم الجيل الأخير الذي يعيش في دولة تصنف كدولة نامية لأن ماليزيا ستصبح دولة متقدمة بحلول عام 2020”. ومما أكد عليه في كلمته تلك انه لا يجب أن تصبح ماليزيا متقدمة فقط من الناحية الاقتصادية بل أن يشمل التقدم كافة النواحي الأخرى الاجتماعية والنفسية، فيجب أن تكون متقدمة من ناحية الوحدة الوطنية والعدل والقيم الروحية.

وبتوالي مشكلات القرية الكونية تتعلم ماليزيا قصصاً تنموية كثيرة فتتعرض لتجربة قاسية أثناء الأزمة الاقتصادية الحادة عام 1997 والتي عصفت بدول شرق آسيا. لكن مهاتير محمد فهم الدرس ونجح في كبح جماح انتقال رؤوس الأموال الأجنبية خارج البلاد من خلال فرض قيود حمائية (شاركت ماليزيا الصين وروسيا في المرتبة الأولى عالميا في درجة الخصوصية Privacy مثل وجود المعوقات والقيود القانونية بمستوى 3.1 عام 2007)، وكان مهاتير موفقاً أيضاً في زيادة الانفاق الحكومي، هذه السياسة لم تساعد فقط على تجاوز الأزمة بل حولت الاخفاق إلى نجاحات مستندة إلى منظومة فكرية تقدس العمل والتخطيط حتى عادت ماليزيا نمراً أقوى من السابق. لقد أدخلت ماليزيا اقتصاد المعرفة في الاقتصاد الوطني، وكانت قاطرة التنمية قطاع الالكترونيات والأدوات الكهربائية التي تشكل 4.60% من جملة الصادرات من أشباه الموصلات حتى اصبحت مصدرة رئيسية للمنتجات الاستهلاكية الالكترونية وصناعات الوسائط المتعددة من خلال مشروع “الملتيميديا سوبر كوريدور” ومع وضع هذا في الاعتبار يمكننا ان نفهم كيف تم تصنيف ماليزيا بالمركز الخامس للاقتصاديات الأكثر تنافسية في آسيا، بعد سنغافورة وهونغ كونغ وتايوان والصين، وحلت في المركز 19 على مستوى العالم بناء على التقرير السنوي لعام 2008 والذي شمل 55 اقتصاداً.

بالعودة إلى الأزمة العالمية الحالية لم يكن أحد يتوقع هذا الذي حدث حتى أن وزير المالية الماليزي الثاني نور محمد يعقوب صرح في عام 2007 بعدم توقعه حدوث أزمة عالمية قريبة، لكن الأزمة وقعت في 2008 فكانت شرارتها الأولى في الولايات المتحدة، ثم عمت كل اقتصادات العالم في 2009 ثم تركزت في منطقة اليورو في 2010. أما ماليزيا فبرغم تسريحها لثمانين ألف عامل عام 2009 فلم تعد تحتمل شطحات العولمة حتى أمر رئيس الوزراء الحالي محمد نجيب عبد الرزاق بتشكيل المجلس الاستشاري للاقتصاد الوطني الذي وكل إليه مهمة دراسة الاقتصاد الماليزي برمته. قام المجلس بمناقشة الموضوع بشكل مكثف مع القادة الاقتصاديين والاكاديميين واصحاب المصلحة ومسؤولي الحكومة وذلك لتهيأة المملكة لتبدأ رحلتها إلى مصاف الدول المتقدمة.

حصرت الدراسة العوائق التي تمنع ماليزيا من التقدم في: تباطؤ الاستثمار الخاص، وعدم كفاية الجهود المبذولة لخلق الابتكار والتميز، والتخلي عن المواهب المتوفرة، وأخيراً، تأكدت من حقيقة مفادها أن ماليزيا عالقة في فخ الدخل المتوسط. لكن الدراسة لم تتطرق إلى الخصومات السياسية، والهوة الاقتصادية بين مختلف المكونات العرقية، وانما ركزت على اقتراح ثماني خطط استراتيجية تمثل محور فلسفة النموذج الاقتصادي الجديد وهي:

* إعادة تنشيط القطاع الخاص لدفع عجلة النمو لتصل إلى نحو خمس الناتج المحلي الاجمالي بحلول عام 2020.

* تطوير جودة القوى العاملة المحلية بالتدريب والتأهيل المهنيين لسد حاجات الصناعة المتنامية، والتقليل من الاعتماد على العمالة الأجنبية من خلال مضاعفة رسوم استقدامها باستثناء بعض القطاعات مثل البناء والتشييد.

* خلق اقتصاد محلي قادر على المنافسة.

* تعزيز القطاع العام.

* الشفافية مع وجود اجراءات صارمة صديقة للسوق.

* ايجاد قاعدة اقتصادية مبنية على المعرفة والبنية التحتية، ورفع مستوى المعيشة بحيث يصل معدل دخل الفرد ما بين 15 -20 الف دولار امريكي بحلول عام 2020.

* تعزيز مصادر النمو.

* تأكيد استدامة النمو للوفاء بالاحتياجات الحالية للبلاد دون المساس بحقوق الاجيال القادمة.

نظرياً، الخطط السابقة أكثر من رائعة إلا أن تطبيقها على المستوى الميداني شأن آخر لذلك فإن النموذج الماليزي الجديد عرض أيضاً وسائل مساعدة لنجاح تلك الخطط، منها التشديد على تقليص عملية تأجير الرخص التي وضعت لصالح المواطنين الأصليين والشمولية بحيث يتمكن جميع فئات المجتمع الماليزي الاستفادة الكاملة من الثروة الوطنية، والقضاء على ظاهرة المحسوبية، وإعادة هيكلة الهيئة الماليزية لتطويرالتصنيع وتسميتها ب”الهيئة الماليزية لتطوير الاستثمار” من أجل تفعيلها لجذب الاستثمار، بالاضافة إلى خصخصة بعض الشركات العامة، كما سيتم عرض أراضي استراتيجية بشوارع العاصمة كوالامبور للقطاع الخاص لاستثمارها وتحويلها إلى مشاريع منتجة.

يبدو أن مخططي السياسات في ماليزيا أدركوا بأن الأزمة المالية بدأت بالفعل في نقض النظام القديم وفتح فرص لنظام جديد، لقد ولى عهد الهيمنة الاقتصادية لمجموعة السبعة. ومحركات النمو العالمي الجديدة مثل الصين والبرازيل والهند بالاضافة إلى اقتصاديات أخرى سوف تنمو بشكل اسرع معززين اسماءهم في مجموعة العشرين. العديد من الدول تقوم حالياً باعادة النظر في استراتيجات النمو الاقتصادي بها والتي منها سوف تنشأ قيادات عالمية جديدة، ويجب أن تكون ماليزيا إحدى هذه القيادات، هذا ما فهمه الماليزيون تماماً.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.