حديث الاستحواذات غالباً ما يثير القلق على مستوى الربحية والعوائد في المدى القصير، لكن ليس عند الرئيس التنفيذي لبنك برقان إدواردو إيغورين.
الاستحواذ على بنك في تركيا ليس سوى بداية مرحلة من التوسع، تستهدف استراتيجياً أسواق السعودية ومصر، والنمو في الأسواق الخمسة التي ينتشر فيها البنك حالياً، (الكويت والعراق والأردن وتونس والجزائر، فضلاً عن فرع لمصرفه العراقي في لبنان) ليصبح مجموعة مصرفية إقليمية متكاملة.
يبدو إيغورين مشغولاً هذه الأيام بالسوق التركية، التي يبدو أنه يعوّل عليها الكثير. يتحدث بإسهاب عن النمو الواعد في هذه السوق، ومدى تلازمه مع الاستراتيجية التوسعية للبنك.
«يورو بنك تكفن» الذي توصل «برقان» أخيراً إلى اتفاقية للاستحواذ على 99.26 في المئة من أسهمه مقابل 100 مليون دينار كويتي تقريباً، يشكل قاعدة انطلاق مثالية من وجهة نظره.
يقول إيغورين، في طاولة مستديرة مع عدد من الصحافيين، إن تركيا «تشكل وحدها ثلث حجم اقتصاد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولديها واحد من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم». ولعل الأهم أن البلاد التي تتوزع جغرافياً بين أوروبا وآسيا، تشهد منذ سنوات تحولاً استراتيجياً من التركيز على أوروبا في علاقاتها الاقتصادية، إلى التركيز على آسيا ودول الشرق الأوسط.
ما زالت الصفقة بحاجة لبعض الوقت للحصول على بعض الموافقات التنظيمية، وإتمام الفحص النافي للجهالة. وبعد ذلك ربما يتم تعديل قيمتها، بحسب تطور التقييم عند توقيع الاتفاق النهائي، وبحسب ما تظهره نتائج الفحص. لكن قبل أن ينتهي ذلك كله، لا يخفي إيغورين سعادته الغامرة بالسعر المبدئي الذي توصل إليه، فهو حصل على «منصة تشغيلية متكاملة» في تركيا تضم 60 فرعاً في المناطق التي تشكل 90 في المئة من الاقتصاد التركي، وبسعر «يوازي قيمة إصدار ترخيص مصرفي تأسيسي».
يوضح أنه «خلال السنوات العشر الأخيرة لم يتم منح أي ترخيص جديد، إلى أن تم منح ترخيص أخيراً لبنك لبناني. وإذا أردت أن تحصل على ترخيص مماثل فلا بد لك من ان تضخ 300 مليون دولار أميركي. نحن سندفع أكثر من ذلك بقليل لنحصل على بنك لديه 80 ألف عميل، وأصول تزيد على 800 مليون دينار كويتي، ومحفظة ودائع بنحو 1.1 مليار دولار، وقروض بنحو 1.15 مليار دولار».
يعتقد الرئيس التنفيذي، الذي عمل في عدد من البنوك الأوروبية من قبل آخرها «باركليز»، أنه دخل إلى تركيا في اللحظة المناسبة. فالأسعار اليوم «هوت بشكل كبير عما كانت عليه قبل سنوات».
البنك هو فرع لـ «يوروبنك» اليوناني، الذي يواجه عقر داره مشكلات اقتصادية عميقة، وربما يكون هذا هو السبب الذي يدفعه إلى الانكفاء عن السوق التركية. وقد تم تصميم الصفقة بطريقة مجدية للطرفين. فالبنك اليوناني سيحرر جزءاً من رأس المال من جهة، وفوق ذلك سيبيع بنك برقان، بموجب الصفقة ذاتها، محفظة قروض إضافية لعملاء أتراك (بعملات أجنبية) تزيد قيمتها على 400 مليون ليرة تركية مسجلة في ميزانية البنك الأم «يوروبنك» بإدارة الفرع التركي.
هذه المحفظة كان حجمها نحو مليار ليرة تركية قبل 18 شهراً، وانخفضت إلى النصف تقريباً في سبتمبر الماضي، وقاربت حالياً 400 مليون ليرة. وكانت سياسة البنك اليوناني أن يخفضها لتخفيض مراكزه الدائنة الخارجية، أسوة بما تفعله معظم البنوك الأوروبية لتحسين سيولتها وتدعيم كفايتها الرأسمالية. وكان الفرع التركي يعوّض هذا الانخفاض بتوسيع محفظته المحلية.
لكن ما يهم إدارة بنك برقان هنا أن البنك الذي تشتريه «ليس له أي تعرضات أو انكشافات على السوق اليونانية».
ماذا سيفعل بنك برقان بالفرد الجديد في عائلة فروعه الإقليمية؟ وماذا سيغيّر هذا الفرع في المجموعة؟
في المقام الأول، يجزم إيغورين أن الصفقة سيتم تمويلها من أموال «برقان» الذاتية، ولن تتطلب زيادة رأسمال، وهذا من شأنه أن يضفي يقيناً على إتمامها، بالنسبة إلى البائع. ويشير إلى أن الأموال اللازمة للصفقة موجودة بالفعل، وقد تم التحوط لها بالليرة التركية.
كفاية رأس المال
في رصده لتأثيرات الصفقة، يقول إيغورين إن تقديرات «برقان» تشير إلى أن عملية الاستحواذ قد تخفض معدل كفاية رأس المال لدى المجموعة بنحو 300 نقطة أساس، من نحو 18 في المئة حالياً إلى نحو 15 في المئة، وهي نسبة أعلى بقدر مريح من متطلبات البنك المركزي (12 في المئة).
أما على صعيد التصنيفات، فالتكهن صعب، يقول إيغورين، وإن يكن تثبيت تصنيف «برقان» من قبل «موديز» وفّر إشارة مريحة من حيث المبدأ، خصوصاً وأن الصفقة إيجابية لجهة توفير قاعدة أفضل للتنويع الجغرافي، وهذا ما يعوّض إلى حد ما أثر انخفاض كفاية رأس المال.
سيشكل البنك الجديد 15 في المئة من أصول مجموعة «برقان» و13 في المئة من محفظة قروضها، و11 في المئة من محفظة ودائعها. لكن ماذا عن الأرباح؟
الخبر الجيد أن البنك التركي يحقق أرباحاً، وإن تكن غير كبيرة (يمكن أن تشكل 3 في المئة من أرباح «برقان»). يعزو إيغورين ذلك إلى الاستثمارات الكبيرة التي ضخها البنك في توسيع شبكة فروعه، ليتضاعف عددها خلال خمس سنوات.
يخطط إيغورين لوقف حركة التوسع في شبكة الفروع، والتحول نحو استراتيجية مختلفة، تستفيد من نقاط قوة لدى مجموعة «برقان»، ليرتفع معدل العائد على حقوق المساهمين- على الأثل- إلى المستويات السائدة في تركيا، أي نحو 15 في المئة، لتصل مساهمة البنك في أرباح المجموعة إلى ما يعادل حصته من إجمالي الأصول، أي 15 في المئة أيضاً، علماً بأن «برقان» يستهدف رفع معدل العائد على حقوق مساهميه إجمالاً إلى 20 في المئة خلال السنوات المقبلة.
ويبدي إيغورين ثقة عالية بقدرة «برقان» على تحقيق إضافة نوعية إلى أدائه تسمح برفع معدل عائده بشكل كبير، مستفيداً من:
- براعة «برقان» في نشاط المصرفية الخاصة (private banking) بالسوق الكويتية، خصوصاً وان العديد من العملاء الكويتيين يتطلعون إلى السوق التركية.
- الحضور القوي في العراق، من خلال بنك بغداد. إذ يمكن تعزيز وجود البنك في المناطق التركية المتاخمة للحدود العراقية.
- تدعيم البنك التركي بالخبرات التسويقية المتقدمة في السوق الكويتية.
- سيستفيد البنك التركي من تكلفة تمويل أقل من بنك برقان، بالنظر إلى معدلات الفائدة المرتفعة في تركيا.
يؤكد إيغورين أن إدارة البنك التركي ستبقى على حالها، ولن يتم تغيير الرئيس التنفيذي، بل إنه يشيد بهذه الإدارة، ويعوّل على الاستفادة من تبادل الخبرات.
ويشير إلى أن طاقم الإدارة الحالي يتكون من كوادر تركية متمرسة، ولديها معرفة عميقة بالسوق، وقد نجحت خلال السنوات الماضية في تنفيذ سياسة إقراض متحفظة، رسخت جودة أصول البنك وأرست أسس النمو مستقبلاً».
السعودية والإمارات
من تركيا، يحرك إيغورين اصبعه على خريطة أمامه ليشير إلى السعودية والإمارات ومصر، كأسواق مستهدفة في عمليات التوسع التالية. في اثنتين من هذه الدول الثلاث يبحث «برقان» عن فرصة جديدة للاستحواذ، طالما أن توقيت الدخول إلى مصر لم يحن بعد، في انتظار أن تتضح صورة الأوضاع السياسية والاقتصادية.
ميزة هذه الأسواق الثلاث أحجام اقتصاداتها الكبيرة ونموها السكاني وموقعها الجغرافي، فضلاً عن النسبة المنخفضة نسبة للقروض إلى الناتج المحلي.
يكشف إيغورين أنه يدرس بالفعل «فرصة أو فرصتين للاستحواذ»، لكنه يؤكد أن الأمر ما زال في دائرة البحث. ويردف أن التمويل لن يكون مشكلة، «لأن الكويت مكان مثالي لجمع رأس المال، وأنتم تعرفون من هم المالكون في بنك برقان».
«المهم في أي فرصة أن تحقق العوائد على المدى القصير والمتوسط»، يقول إيغورين، «يجب ألا يلهنا التوسع وتكبير الحجم عن التركيز على تحقيق العوائد للمساهمين في المديين القريب والمتوسط».
فلسفة المئة فرع!
هذه الفلسفة ليست بعيدة عن خطة إيغورين للسوق المحلي. فعلى سبيل المثال، لدى بنك برقان 25 فرعاً في الكويت حالياً، ولا يبدو أن من أولويات الرئيس التنفيذي رفع عددها بشكل هائل. يقول «أنا لا أؤمن بفلسفة المئة فرع، بل أركز على نوعية الخدمة للعميل، من خلال البطاقات، والعمليات الالكترونية والخدمة الخاصة».
ومع ذلك، فإنه يوازن قناعته بالثقافة المحلية التي تولي أهمية لزيارة العميل للبنك، عوضاً عن إتمام العمليات الكترونياً.
يقود ذلك إلى الحديث عن موقع «برقان» في السوق المحلي، حيث المشهد الاقتصادي لا يبدو مشجعاً، من وجهة نظر إدارة البنك. إلا أن إيغورين يتوقع نمواً «أسرع بكثير من نمو الناتج المحلي».
يتحدث إيغورين عن خطة للتوسع بشكل كبير في قطاع التجزئة، إلى جانب الارتكاز على الخدمات المصرفية الخاصة، التي يعتقد أن «برقان» يتميز بها بشكل كبير، والخدمات المصرفية للشركات.
هذا التفاؤل على مستوى أعمال البنك يقابله تشاؤم على مستوى نمو الائتمان في البلاد إجمالاً. يشير إيغورين إلى أن «التفاؤل كان سائداً بخطة التنمية الاقتصادية، التي كان من المفترض أن تعزز الإنفاق الحكومي، بما يشكل محفزاً للاقتصاد». لكنه يرى أن القليل من ذلك تحقق بالفعل.
يلفت هنا إلى البيانات الرسمية لحجم الإنفاق في الباب الرابع من الموازنة (المشاريع الإنشائية والاستملاكات والصيانة)، والذي قارب 1.6 مليار دينار العام الماضي، والأرجح أنه سجل تراجعاً كبيراً خلال العام المالي الماضي 2011/2012.
وفي الطريق إلى هذا النمو، يبدي إيغورين ثقته بانخفاض منسوب المخاطر في محفظة القروض لدى بنك برقان محلي، مشيراً في هذا الصدد إلى أن «نسبة تغطية المخصصات للقروض غير المنتظمة تقل بقليل عن 100 في المئة شاملة الضمانات، ولو أنها قد تنخفض قليلاً في الربع الأول».
لكن إيغورين يلفت إلى أنه «ليس مطلوباً أن تكون نسبة التغطية 100 في المئة لكامل القروض غير المنتظمة، فلا بد من الأخذ في الاعتبار نسبة الاسترداد المتوقعة للقروض المتعثرة. كما أن هناك الكثير من القروض التي يعاد جدولتها وتننظم لكنها تبقى مسجلة في الدفاتر تحت خانة القروض غير المنتظمة».
وفي هذا الصدد، يلفت إيغورين إلى أن «ثلث محفظة القروض غير المنتظمة، هي في واقع الأمر تؤدي بشكل جيد».
ويخلص من هنا إلى القول إن «برقان» محصّن ضد أي طارئ، كما يظهر من اختبارات الضغط، ما لم تحدث هزة كبيرة على المستوى الاقتصاد الكلي تصيب الجميع على حد سواء.
هوامش
«يوروبنك تكفن»:
• حصلنا عليه بتكلفة رأسمال لتأسيس مصرف جديد
• 80 ألف عميل و60 فرعاً
في أهم مناطق البلاد
• قادرون على رفع معدل عائده إلى نحو 15 في المئة سريعاً
• سنوقف توسع الفروع ونركّز على تحسين الأرباح
• أصول تفوق 800 مليون دينار وودائع بـ 1.1 مليار دولار
هوية مصرفية جديدة
أكد إيغورين أنه سيتم تغيير اسم البنك التركي فور إتمام الصفقة، لكنه أشار أن القرار لم يرسُ على الاسم الجديد، و«الأرجح أنه لن يحمل اسم (برقان) لكونه محلي المعنى والطابع».
وبيّن إيغورين أن هذه العملية ستكون جزءاً من إعادة رسم الهوية المصرفية للبنوك التابعة لمجموعة برقان في المنطقة، والتي يعد لها مدير الاتصال المؤسسي في البنك بشير جابر خطة متكاملة.
وأوضح إيغورين أن «اسم (برقان) يعني الكثير محلياً، لكن ربما لا يكون له الوقع نفسه في الخارج. إلا أنه يلقى نجاحاً كبيراً على المستوى المحلي، حتى أنه برز على قائمة أفضل 500 علامة تجارية مصرفية في العالم، التي تمنحها «براند فاينانس»، محتلاً المركز الكويتي الثاني والـ19 خليجياً و379 عالمياً».
نمو صلب في الربع الأول
أكد إيغورين أن نتائج «برقان للربع الأول من العام الحالي ستظهر استمرار النمو الصلب لأعمال البنك في السوق المحلي».
وكان البنك قد ضاعف أرباحه 10 مرات تقريباً العام الماضي لتبلغ 50.6 مليون دينار. ومع أن الرئيس التنفيذي يقر بأن نمو الربحية الكبير كان عائداً في الجزء الاكبر منه إلى تراجع مستويات تجنيب المخصصات، فإنه يلفت إلى نمو الدخل التشغيلي بنسبة 15 في المئة.
ويتوقع إيغورين نمواً ضعيفاً لسوق الائتمان خلال العام الحالي، لكنه يبدي اعتماداً على نموذج عمل البنك المهيأ لتسجيل نمو يفوق نمو الناتج المحلي.
«المركزي» متحفظ جداً
في سياق الحديث عن نسبة القروض المتعثرة لدى البنك وقوله إن ثلث القروض المصنفة تحت هذه الخانة هي منتظمة في واقع الحال، غمز إيغورين من قناة البنك المركزي ومتطلباته على صعيد تصنيف القروض، قائلاً «إننا نناقش الأمر مع البـــنك المركزي».
وأشار إلى أن بنك الكويت المركزي «متحفظ جداً، وكان هذا مفيداً للغاية في الأزمة، حين كان يطلب من البنوك تجنيب الكثير من المخصصات».
تنقصنا النافذة الإسلامية
أكد الرئيس التنفيذي لـ «برقان» اهتمام مصرفه بالسوق المصرفي الإسلامي، وقال «ما ينقصنا هو النافذة الإسلامية»، التي يمنع البنك المركزي على البنوك التقليدية إنشاءها محلياً.
ولم يخف تفكيره بإنشاء أعمال في هذا القطاع في حال دخول السوق السعودية، حيث تسمح الجهات الرقابية بمثل هذه النوافذ للبنوك التقليدية.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}