نبض أرقام
00:25
توقيت مكة المكرمة

2024/07/12
2024/07/11

نوبل في الاقتصاد هذا العام.. كيف يحرك السكر الجماهير؟

2019/10/19 أرقام - خاص

في 70 عيادة محلية تابعة لولاية هاريانا الهندية يمكن لوالدي أي طفل يأتى به إلى العيادة ليبدأ سلسلة من التطعيمات الحصول على واحد كيلو جرام من السكر مجاناً. وإذا تأكد والدي الطفل من حصوله على كافة التطعيمات فيمكنهما أيضاً الذهاب إلى المنزل وفي حوزتيهما لتر مجاني من زيت الطعام.

 

هذه الهدايا البسيطة هي جزء من اختبار تجريبي مكثف حول ما إذا كانت تلك الهدايا أو المكافآت يمكنها أن تساهم في زيادة الإقبال الضعيف جداً من قبل الفقراء على تطعيم أطفالهم، وذلك باستخدام نموذج مشهور جداً في الأوساط البحثية الطبية وهو نموذج التجاربالعشوائية المنتظمة أو التجاربالمنضبطة المعشاة(RCTs).

 

 

والتجربة المنضبطة المعشاة (RCT) مشهورة جداً في الطب السريري، وفي إطارها يتم اختيار الأشخاص بشكل عشوائي لإجراء دراسة على نوع من الأدوية أو لاختبار فعالية وتأثير أنواع مختلفة من الاجراءات الطبية، وهو ما يوفر للباحثين معلومات بشأن الآثار السلبية للدواء وبشأن طبيعة تفاعلاته مع الجسم.

 

هذا النموذج هو ما استعمله "أبهيجيت بانيرجي" و"إستردافلو" من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الحاصلين منذ أيام على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية لعام 2019 في ورقة بحثية نشراها عام 2010 تحت عنوان "تحسين تغطية التحصين في المناطق الريفية بالهند"، وهذه الورقة ورائها قصة...

 

الفاصوليا تفعل المعجزات!

 

هناك معضلة لطالما واجهت منظمة "سيفا ماندير" غير الحكومية والعاملة بمنطقة أودايبور بولاية راجستان الهندية وهي أن المخيمات الشهرية التي تقيمها لتطعيم الأطفال مجاناً لا يأتي إليها سوى خمس الأطفال.

 

ولسنوات اعتقد الخبراء المحليين أن السبب الرئيسي وراء عزوف الأسر عن تطعيم أطفالهم هي المعتقدات الخاطئة المترسخة لدى الناس.

 

لقد ادعوا أن الناس في المناطق الريفية مثل أودايبور لا يؤمنون بالتطعيم لأن هناك اعتقاد تقليدي سائد بينهم مفاده أن الأطفال يموتون لأنهم يصابون بما يسمونها "العين الشريرة". وهذا هو السبب وراء أن الأباء يأخذون أطفالهم إلى خارج المنطقة في عامهم الأول.

 

 

على هذا الأساس، قال الخبراء والأطباء المحليون إنه سيكون من الصعب للغاية إقناع القرويين بتطعيم أطفالهم دون أن يتم تغيير معتقداتهم أولاً، وهي مهمة شبه مستحيلة.

 

استمر الوضع على هذه الحال إلى أن نجح كل من "بانيرجي"و"دافلو" في إقناع رئيسة منظمة "سيفا ماندير" بالسماح لهما بإجراء تجربة معينة في مجموعة من مخيمات التطعيم التي أقامتها المنظمة في أودايبو.

 

التجربة كانت عبارة عن تقديم رطلين من الفاصوليا المجففة (العنصر الرئيسي للطعام بالمنطقة) مجاناً لكل من يأتي بطفله لكي يبدأ سلسلة التطعيمات الأساسية، وإذا حرص والدي الطفل على استكماله لسلسة الجرعات سيحصلون أيضاً على مجموعة من الأطباق المصنعة من الفولاذ المقاوم للصدأ (الاستلستيل). 

 

في البداية بدا الطبيب المسؤول عن برنامج "سيفا ماندير" الصحي مترددا بشأن تلك التجربة. فمن ناحية رأى أنه من الخطأ رشوة الناس لفعل الشيء الصحيح وأنهم يجب أن يعلموا من تلقاء أنفسهم ما هو جيد لصحتهم، ومن ناحية أخرى رأى أن الحوافز التي اقترحها "بانيرجي"و"دافلو" ضعيفة للغاية.

 

لكن رغم تلك الاعتراضات تم إجراء التجربة أخيراً ولكن على نطاق صغير بغرض اكتشاف أثر تلك الحوافز. وتم تقديم الحوافز المقترحة في 30 مخيماً فقط من المخيمات التي أقامتها المنظمة.

 

 

على عكس ما توقعه الجميع تقريباً حققت التجربة نجاحاً مذهلاً. فقد زاد معدل التحصين في القرية التي أقيمت فيها المخيمات الثلاثين سبعة أضعاف ليصل إلى 38%، كما شهدت القرى المجاورة التي تم إجراء فيها نفس التجربة لاحقاً ارتفاعات كبيرة في معدلات التحصين.

 

بدلاً من تركيز جهودهم في محاولة إقناع الفقراء بفوائد التطعيمات لأطفالهم وهي الجهود التي لم يكتب لها نجاحاً يذكر، فضل "بانيرجي"و"دافلو" في نهج أكثر عملية التركيز على ما يمكن أن يحرك الناس فعلياً من منازلهم ليذهبوا بأطفالهم إلى المخيمات. واتضح أن الحوافز المادية البسيطة مثل رطلين من الفاصوليا المجففة يمكنها أن تفعل المعجزات.

 

لغز الأسمدة

 

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن هناك ما يقرب من 1.4 مليار شخص يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم. وهؤلاء أكثرهم مزارعون. ومن هنا تبرز أهمية الاستراتيجيات القادرة على زيادة الدخول الزراعية كأحد أدوات الحد من الفقر. ومن أكثر المناطق التي تحتاج لمثل هذه الاستراتيجيات هي إفريقيا جنوب الصحراء، وهي منطقة غلتها الزراعية شديدة الانخفاض.

 

استخدام الأسمدة غير العضوية يمكنه مساعدة المزارعين على زيادة الغلة بشكل كبير، ولذلك يعتبر شراء تلك الأسمدة استثماراً مربحاً للغاية. لكن رغم ذلك يشير الواقع إلى أن عدد قليل جداً من المزارعين في إفريقيا جنوب الصحراء هو من يستخدم تلك الأسمدة.

 

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا؟ هل يجهلون الربحية التي يستطيعون تحقيقها إذا استخدموها؟ أم أنهم لا يملكون المال الكافي لشراء تلك الأسمدة؟ أم أنهم لا يستطيعون الإدخار لشراء ما يحتاجونه منها؟

 

"مايكل كريمر" الأستاذ بهارفارد وثالث الثلاثة الفائزين بنوبل للاقتصاد هذا العام حاول الإجابة على أسئلة شبيهة بالأسئلة السابقة في ورقة بحثية مشتركة نشرت في عام 2010 تحت عنوان "دفع المزارعين لإستخدام الأسمدة".

 

 

يعيش حوالي 66% من سكان المقاطعة الغربية في كينيا تحت خط الفقر. وهناك يزرع غالبية صغار المزارعين الذرة كمحصول أساسي. وبالتالي فإن تحسين الإنتاجية الزراعية لهؤلاء من خلال استخدام الأسمدة غير العضوية من شأنه أن ينعكس إيجابياً على مستواهم المعيشي.

 

أظهرت العديد من التجارب الزراعية أن إضافة الأسمدة إلى المحاصيل حقق للمزارعين في المقاطعة الغربية عائداً سنوياً قدره 70%. ورغم ذلك فإن 43% فقط من المزارعين هم من استخدموا الأسمدة من قبل في حين لا يزيد عدد من يستخدمونها كل عام عن 25%. ما السبب وراء عدم قيام هؤلاء المزارعين بالاستثمار في الأسمدة؟

 

الشيء الأكثر إثارة للحيرة هو أن احتمال عودة المزارعين الذي استخدموا الأسمدة إلى استخدامها مرة أخرى في المواسم التالية لا يزيد عن 10%. هؤلاء من المفترض أنهم جربوا الأسمدة من قبل ورأوا بأم أعينهم كيف زادت من حجم محاصيلهم، فلماذا لا يستخدموها مرة أخرى؟

 

كيف تتبخر أموالهم؟

 

هذا الوضع اللغز وراءه أسباب قد تبدو للبعض تافهة جداً. فقد اكتشف "كريمر" ورفقاؤه أن أغلبية المزارعين سواء من استخدم الأسمدة أو من لم يستخدمها مقتنعون تماماً بأهمية وفوائد الأسمدة ولكنهم عندما يحتاجون إليها لا يكون لديهم ما يكفي من المال لشرائها.

 

الفكرة ببساطة هي أن المزارع بعد أن انتهاء موسم الحصاد وبيعه للمحصول يبدأ في صرف ما جناه من أموال على احتياجاته التي قد يكون أكثرها ضرورياَ. وعندما يحين موسم الزراعة التالي ويجد نفسه محتاجاً للأسمدة يجد نفسه بلا المال الكافي لشرائها.

 

 

أي أن القضية باختصار هي أن المزارعين يجدون صعوبة في الاحتفاظ بثمن الأسمدة خلال الفترة ما بين موسمي الحصاد والزراعة، خصوصاً وأنه بالنسبة لهم هناك دائماً شيء يحتاج إلى المال كأن يمرض شخص أو يحتاج أخر إلى ملابس أو أن يحضر ضيف يجب إطعامه، وهذه حاجات من الصعب القول "لا" لها.

 

من هنا رأى "كريمر" أن الحل يكمن في أن يشتري المزارعون الأسمدة بعد الحصاد مباشرة. وبالتعاون مع المنظمة الدولية للطفل صمم الباحثون مبادرة تسمى "مبادرة الإدخار والأسمدة" أو (SAFI) وهي مبادرة تهدف لدفع المزراعين لشراء الأسمدة بينما لا تزال الأموال في أيديهم.

 

رغم أن الأسمدة تم بيعها دون دعم وبسعر السوق إلا أن هذه المبادرة ساهمت في زيادة نسبة المزارعين الذي يستخدمون الأسمدة بنسبة 50% على الأقل، لتحقق هذه التجربة نتائج أفضل بكثير من أخرى عرضت على المزارعين شراء الأسمدة بنصف سعرها السوقي.

 

 

أخيراً، إذا كان هناك درس واحد وحيد مستفاد من أبحاث "بانيرجي" و"دافلو" و"كريمر" التي قادتهم للتشارك في نوبل للاقتصاد هذا العام فهو أن معظم التصورات السائدة سواء لدى الأكاديميين أو العامة حول الفقر وأسبابه مغلوطة وفي أفضل الأحوال منقوصة وتحتاج إلى مراجعة.

 

المصادر: أرقام – مجلة ناتشر – كتب اقتصاديات الفقراء – دراسة "Nudging Farmers to Use Fertilizer" – دراسة "Improving immunisation coverage in rural India"

تعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

{{Comments.indexOf(comment)+1}}
{{comment.FollowersCount}}
{{comment.CommenterComments}}
loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.

الأكثر قراءة