نبض أرقام
04:55 م
توقيت مكة المكرمة

2024/11/23
2024/11/22

تأثير الكوبرا .. النوايا الحسنة قد لا تكفي أحياناً

2020/08/29 أرقام - خاص

في القرن التاسع عشر وإبان الاحتلال البريطاني للهند ظهرت أزمة انتشار أفعى الكوبرا في مدينة دلهي.
 

ومع معاناة السكان المحليين، تدخلت السلطات البريطانية عبر إعلان مكافأة لكل مَن يقتل الكوبرا، بشرط تقديم الأفعى الميتة للجهات المحلية إثباتاً للأمر.
  

  
ورغم أن هذه المكافأة قدمت دافعاً ناجحاً للبعض للتخلص من الأفعى السامة، فإنها تسببت في قيام آخرين بالسعي لاستغلال الموقف وتحقيق دخل إضافي من خلال تربية الكوبرا ثم قتلها للحصول على الأموال.

 

وبعد معرفة السلطات بهذه الحيلة الذكية، أعلنت وقف المكافأة الخاصة بقتل الأفاعي، لكن هذا القرار ألغى أيضاً مصلحة الناس في الإبقاء عليها وقاموا بالتخلص منها من خلال إطلاقها في شوارع المدينة.
 

وبالتالي ما بدأ كجهد حكومي يستهدف حل الأزمة أدى في النهاية لواقع أكثر سوءًا.
 

قرارات حكومية بنتائج غير متوقعة
 

في ثمانينيات القرن الماضي عانت المكسيك من ارتفاع معدل تلوث الهواء في العاصمة بسبب عوادم السيارات التي شهدت تزايداً ملحوظاً.
 

استجابت السلطات لهذه الأزمة عبر قانون يستهدف تقليص عدد السيارات المسموح بسيرها في الشوارع من خلال تحديد الأرقام الأخيرة من رخصة القيادة للمركبات التي لها حق التحرك يومياً.
  

 

اتجه بعض المواطنين آنذاك لاستخدام وسائل المواصلات العامة أو سيارات الأجرة بديلاً عن السيارات الخاصة، لكن آخرين قاموا بشراء مركبة ثانية أقل سعراً وأكثر تلوثاً وبالطبع تحمل رخصاً للقيادة بأرقام جديدة.

 

ومع قيادة هذه السيارات الجديدة في الشوارع في الأيام التي يُمنع فيها استخدام مركباتهم الأخرى، فإن عدد السيارات زاد وبالتبعية التلوث الناتج عنها.
 

والواقع أن قصة التلوث في المكسيك تظل أقل وطأة مما حدث في فنزويلا في سبعينيات القرن الماضي حينما قررت تأميم صناعة النفط في البلاد.
 

ومع قرار التأميم الذي استهدف الحفاظ على ثروات النفط داخل البلاد، فُقد حافز الربح الرامي للحفاظ على رأس المال المادي والذي بدأ في الانخفاض تدريجياً ليتراجع الإنتاج ويتسبب في أزمة اقتصادية لدولة أمريكا اللاتينية.
 

ودخلت فنزويلا في دوامة من الاقتراض وزيادة الضرائب لتعويض الإيرادات المفقودة، قبل أن يستفحل الأمر لتسارع التضخم مع زيادة عملية طباعة الأموال.
 

حتى الشركات تفعلها
 

الأمر لا يتوقف على الحكومات فحسب، ففي عام 2018 اعترفت شركة آبل بأنها كانت تخفض قدرة بعض الجوالات القديمة من أيفون لتعويض تدهور حالة البطاريات، ما قد يتسبب في إغلاق الهواتف في بعض الأحيان.
     
     

وفيما يعبر عن اعتذار الشركة على هذا الفعل، قررت تخفيض رسوم استبدال البطارية من 79 دولاراً إلى 29 دولاراً فقط.
 

لكن بعد أشهر قليلة فحسب، توقعت الشركة انخفاض الإيرادات بنحو 9 مليارات دولار بفعل ضعف الطلب على الأجهزة الجديدة من أيفون مع استغلال المستهلكين لهبوط تكلفة استبدال البطارية بدلاً من شراء جوال جديد.
 

وبالتالي ما بدأ كفعل يستهدف دفع المستخدمين لسرعة استبدال هواتفهم بأخرى جديدة وزيادة البيع أدى في النهاية إلى تراجع الطلب على الأجهزة الأكثر حداثة وفقدان الشركة لمليارات الدولارات.
 

وقبل واقعة آبل بعامين وبالتحديد في 2016، كان بنك "ويلز فارجو" يواجه موجة من المشاكل المتعلقة بنظام الحوافز الخاص به.
 

وكان البنك معروفاً طوال سنوات بأدائه القوي في قطاع البيع بالتجزئة والودائع منخفضة التكلفة والاهتمام بالرضا العالي للعملاء.
 

وصمم مسؤولو البنك حوافز للموظفين تستهدف تعميق العلاقات مع العملاء من خلال أهداف المبيعات التي تشجع على بيع منتجات مصرفية متعددة.
 

لكن هذه الأهداف الصارمة للبنك والتي كانت تستهدف علاقة قوية ومستمرة مع العملاء كان لها مردود سلبي على بعض الموظفين الذين عانوا لتحقيق هذه الاشتراطات، وبالتالي قرر بعضهم التحايل وفتح حسابات إيداع وبطاقات ائتمان للعملاء دون علمهم.
 

نتيجة لذلك، اكتشف البنك وجود مليوني حساب بلا إذن العملاء في الفترة بين عامي 2011 وحتى 2016، ما تسبب في فصل 5300 موظف وتنحي الرئيس التنفيذي وتخلي البنك عن أهدافه الصارمة للبيع، ناهيك بالطبع عن الأثر السلبي على المكانة والسمعة الخاصة بالمصرف.
 

الكوبرا والأزمة الحالية
 

وحتى حالياً وفي خضم أزمة وباء كورونا، يجادل بعض الساسة في الولايات المتحدة بأن إعانات البطالة الإضافية التي تم منحها للعاطلين عن العمل بقيمة 600 دولار أسبوعياً تمنح البعض دافعاً لعدم البحث عن عمل.
  
    

ورغم أن الإعانة التي أقرّها الكونجرس ضمن برنامج التحفيز لمواجهة آثار كورونا استهدفت دعم دخل الأمريكيين وبالتبعية تعزيز الطلب والاقتصاد ككل، فإنها تسببت في نظر البعض في حصول كثير من العمال على دخل يتجاوز ما كانوا يحصلون عليه قبل الوباء وبالتالي قللت حوافز البحث عن عمل جديد ما يضر الإنتاجية والتعافي الاقتصادي.
 

وعلى جانب ضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد لتعويض فجوة الطلب، يرى البعض أن القرارات الرامية لتجاوز الضغوط الانكماشية للأسعار قد تؤدي إلى مزيد منها لاحقاً.
 

ومع طباعة وتوزيع الحكومات والبنوك المركزية للكثير من الأموال، فإنها تخاطر بحدوث تسارع للتضخم، وهو ما قد يدفعها لتحويل المسار سريعاً في حال ظهور بوادر لهذا الخطر، ما قد يعني صدمة في الاتجاه المعاكس ربما تدفع لخطر أكبر على جانب انكماش الأسعار.
 

العواقب غير المقصودة
 

أثر الكوبرا يبرز العواقب السلبية غير المقصودة والتي قد تحدث؛ نتيجة حوافز لم يتم التريث بشأنها لبعض السياسات العامة وحتى الخاصة.
   

        

وتوضح هذه المعضلة أن بعض النوايا الإيجابية والتي تستهدف تحفيز أفعال جيدة قد تنقلب تماماً وتؤدي إلى نتائج سلبية غير مستهدفة أو متوقعة.
 

وتؤدي الحوافز السيئة إلى نتائج سيئة بنفس القدر، وبالتالي فإن الاندفاع وتقديم حلول سهلة وسطحية لبعض المشاكل بدون دراسة كافية قد يؤدي إلى تعميق الأزمة بدلاً من حلها.
 

إذن الأمر كله يتعلق بالدوافع التي قد يثيرها الفعل الأول، لا يهم ما يستهدفه القرار بقدر ضرورة وضع كل ردود الفعل والآثار المتوقعة في الاعتبار جيداً.
 

وربما تكون النوايا حسنة بالفعل، لكنها رغم ذلك قد تصل لنتائج سيئة للغاية في النهاية.
 

ما يمكن أن نقوله هنا هو: فكّر بعيداً في كل العواقب المحتملة للقرار، ادرس الموقف جيداً قبل أي فعل لأنك قد تحصل على ما ترغب فيه لكن مع آثار أخرى لم تتوقعها نهائياً.

 

المصادر: فريكونومكس – فسيولوجي توداي – إف.إي.إي - ماركت وتش – ذا فيرج – فاينانشال إكسبرس

دراسة Sionna - Unintended Consequences

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.