نبض أرقام
11:11 ص
توقيت مكة المكرمة

2024/10/02
2024/10/01

هل يمكن تحقيق النمو وعدالة توزيع الدخل سويًا؟

2018/05/26 أرقام - خاص

كثيرًا ما يشكل النمو الاقتصادي هدفًا مهمًا تسعى الحكومات للوصول إليه، غير أن الأمر لا يخل من صعوبات في توزيع ثمار النمو على مواطني الدول، بحيث يستأثر البعض بها ويظل الغالبية دون تقدم يذكر في مستويات المداخيل.

 

أسباب عدم العدالة

 

ويرجع ذلك لسببين يختلفان بين الدول المتقدمة وتلك النامية، فالأولى تعاني انقسام الاقتصاد بين هذا الحديث (الإلكتروني أو المعلوماتي) والآخر التقليدي (الزراعي الصناعي) والعائدات في الأول تكون أكبر كثيرًا من الثاني بما يخلق فجوات كبيرة في توزيع الدخول.

 

 

أما الاقتصادات النامية فتعاني الكثير منها مشاكل هيكلية في أن هناك قطاعات محددة للغاية فقط تكون قائدة للنمو الاقتصادي، مثل قطاعات النفط أو الاتصالات في حالة الكثير من الدول، بما يجعلها تحظى بالدعم الحكومي –مباشر وغير مباشر- ويجعل الاقتصاد ينمو بشكل عام ولكن ثمار التنمية يحصدها أقلية تقود قطار النمو.

 

ويقول البنك الدولي في تقرير إن هذا كان السبب الرئيسي وراء تغيير أهداف التنمية التقليدية بهدف التنمية المستدامة، والتي تهدف -فيما تهدف- لنمو متوازن لكافة قطاعات الاقتصاد ولا يقتصر على قطاع دون آخر.

 

ولعل دولة مثل الصين تقدم نموذجًا لافتًا في هذا الشأن، حيث تراجع عدد الفقراء من 805 ملايين عام 1990 إلى 40 مليون فقط عام 2013، وفقًا لدراسة أعدها معهد تابع لبنك التنمية الدولي، بما يؤشر إلى أن النمو المشهود الذي مرت به الصين خلال العقود الماضية عادت فوائده على قطاعات واسعة من المواطنين ولم تقتصر على فئة محدودة.

 

وعلى الرغم من هذا التراجع الكبير في أعداد الفقراء من جهة، إلا أن مؤشرات "عدالة توزيع الدخل" ما تزال مختلة في بكين، فعلى الرغم من أن الطبقة الأفقر استفادت كثيرًا بثمار التنمية، إلا أن نسبة استفادتها لم تكن بنفس نسبة استفادة الطبقة الأغنى، التي زادت ثرواتها بنسب تفوق الطبقات الأفقر.

 

مؤشر جيني

 

وهناك "مؤشر جيني" الخاص بعدالة توزيع الدخل، وكلما اقترب المؤشر من صفر أشار ذلك إلى عدالة في التوزيع، وبالعكس كلما قارب الواحد الصحيح أشار ذلك إلى غياب عدالة توزيع الدخل، وعلى ذلك فتتصدر الدول الاسكندنافية الدول الأكثر عدالة في توزيع الدخول بنسب تقترب من الـ25%، بينما تسجل دولًا مثل سلوفينيا وسلوفاكيا والتشيك نسبًا مقاربة، كما تكشف صحيفة "جارديان".

 

 

وعلى الجانب المقابل، فإن دول أفريقيا جنوب الصحراء تشكل الصورة المعكوسة لذلك، بمعدلات غياب عدالة توزيع للدخل تصل إلى 60%، ولا سيما دول مثل ليسوتو وجنوب أفريقيا وناميبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، بما يعكس اختلالات عنيفة في هيكل المداخيل.

 

ويقول تقرير للبنك الدولي إن أساس تراجع الفقر في العالم بصورة عامة يرجع إلى السياسات المتبعة في دول جنوب شرق آسيا والصين والهند من خلال العمل على توزيع أفضل للثروة، حيث تراجع عدد من هم تحت خط الفقر عالميًا من 1.85 مليار شخص عام 1990 إلى 767 مليون عام 2013 ومعظم هذا التراجع في الصين والهند أولا ثم إندونيسيا ودول أخرى ثانية.

 

واللافت هنا أن الأساس الذي اتخذته تلك الدول هو نشر أوسع لعوامل التنمية، فعلى سبيل المثال فإن الصين عانت لعقود من حصول مقاطعاتها الجنوبية الساحلية على غالبية الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية بما تسبب في نموها بشكل كبير مقارنة ببقية أنحاء البلاد بسبب الطبيعة الصناعية والتجارية لتلك المقاطعات.

 

وما قامت به الحكومة تركز على إعادة توزيع الإنفاق على البنى التحتية بما يسمح لبقية المقاطعات بالنمو، وعلى الرغم من أن المقاطعات الساحلية الجنوبية ما زالت أغنى إلا أن الفجوة تضيق مع بقية المناطق.

 

للتوزيع العادل ثمن باهظ

 

ويختلف الوضع في الهند عن مثيله في الصين، فالأزمة لم تكن فقط جغرافية ولكنها امتدت لتشمل فارقًا كبيرًا في الأجور بين متلقي التعليم وغيره، بسبب اتصال الاقتصاد الهندي المعاصر بالاقتصاد العالمي من خلال مراكز الاتصال والمعلومات وغيرها وبقاء الاقتصاد التقليدي بدائيًا إلى أبعد الحدود.

 

لذا فقد كانت الخطوة الهندية في إقرار برنامج تعليم قومي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي من أجل ضمان توزيع أفضل للموارد التعليمية، بما يسمح لاحقًا بتوزيع أكثر عدالة للدخل.

 

وعلى الرغم من الخطوات الآسيوية في هذا المجال إلا أن دراسة لمركز اقتصادي تابع لمجموعة "بريكس" الاقتصادية يشير إلى أن العدالة في توزيع الدخل في تلك الدول أتت على حساب أشياء أخرى وأهمها الاستهلاك الكبير للموارد الطبيعية والنقص في المياه في بعض الدول وتلوث الهواء وزيادة الانبعاثات الكربونية في بعض الحالات.

 

 

كما أن البنك الدولي يشير إلى أن أزمة الاختلالات العنيفة في توزيع الدخول تبقى في الدول الإفريقية التي لا تزال عاجزة عن اللحاق بركب التوزيع الأكثر عدالة للثروة بسبب انقسام اقتصادياتها الشديد.

 

وتقول شبكة بلومبرج إن النماذج الناجحة في التغيير الاقتصادي وتحسين معدلات توزيع الدخل في شرق آسيا لا تعني أن تلك الدول أصبحت توزع الدخول بعدالة تامة، مشيرة إلى أن الانتقال إلى حالة قريبة من الحالة الاسكندنافية بشكل خاص أو الأوروبية بشكل عام تحتاج إلى عقود من تراكم التعليم والقدرات لدى الطبقات الأقل بما يسمح لها بارتقاء السلم الاجتماعي والاقتصادي الذي سبقتها إليه طبقات أخرى.

التعليقات {{getCommentCount()}}

كن أول من يعلق على الخبر

loader Train
عذرا : لقد انتهت الفتره المسموح بها للتعليق على هذا الخبر
الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن آراء أصحابها وليس عن رأي بوابة أرقام المالية. وستلغى التعليقات التي تتضمن اساءة لأشخاص أو تجريح لشعب أو دولة. ونذكر الزوار بأن هذا موقع اقتصادي ولا يقبل التعليقات السياسية أو الدينية.