بعد روسيا وكوريا الشمالية، الصين على رأس قائمة الاتهام الأمريكية بشن هجمات سيبرانية على بلاد العم سام، لكن الاتهام الموجه إلى بكين هذه المرة أكبر وأخطر من محاولات اختراق البيانات أو توجيه الرأي العام عبر الإنترنت، حيث ادعى تقرير إعلامي تورط جهات صينية في وضع رقائق تجسس إلكترونية في معدات تستخدمها عشرات الشركات والمؤسسات الأمريكية.
ويأتي هذا التقرير في الوقت الذي اتهم فيه الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بكين بمحاولة التدخل في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس المزمع إجراؤها في نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، وهي تصريحات تكررت مرة أخرى قبل أيام على لسان نائبه "مايك بنس"، الذي قال إن بكين تبذل جهودًا متطورة للتأثير على فرص نجاح الجمهوريين.
وبحسب التقرير المثير للجدل من "بزنس ويك" سعت "أمازون" عام 2015 للاستحواذ على شركة ناشئة للبرمجيات في بورتلاند تُدعى "إلمينتال تكنولوجيز" متخصصة في ضغط ملفات الفيديو الضخمة وإعادة تنسيقها لتلائم الأجهزة المختلفة، وساهمت تقنياتها في بث فعاليات البطولات الرياضية عبر الإنترنت والتواصل مع محطة الفضاء الدولية كما استخدمت في عمليات لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه".
وكانت تقنيات الشركة الناشئة ملائمة للغاية لدعم مشاريع "أمازون" المرتبطة بالجهات الحكومية، مثل الخدمات السحابية التي تقدمها الشركة لصالح "سي آي إيه"، وللمساعدة في إتمام الصفقة بنجاح قررت "أمازون ويب سيرفسز" التي كانت تشرف على المحادثات، الاستعانة بطرف ثالث للتدقيق في الجوانب الأمنية لـ"إلمينتال"، لكن الجولة الأولى من الفحص كشفت نتائج مقلقة.
في الأساس تم تجميع الخوادم الرئيسية الغالية التي استعانت بها الشركة الناشئة وثبتتها في شبكات العملاء، بواسطة شركة أخرى في سان خوسيه تدعى "سوبر ميكرو كمبيوتر"، وفي أواخر ربيع 2015 أرسلت "إلمينتال" عدة خوادم إلى كندا من أجل إجراء الاختبارات اللازمة من قبل شركة أمنية، وهنا كانت المفاجأة.
عثر المختبرون على رقاقة إلكترونية صغيرة للغاية لا يتجاوز حجمها حبة الأرز باللوحات الرئيسية للخوادم، ولم تكن تلك الرقاقة جزءًا من التصميم الأصلي لهذه اللوحات، وعلى الفور أبلغت "أمازون" السلطات الأمريكية.
كانت المفاجأة صادمة، إذ تنتشر خوادم "إلمينتال" في مراكز البيانات التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، وتستخدم في عمليات الطائرات من دون طيار التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، وأيضًا في الشبكات الداخلية لسفن القوات البحرية، ناهيك عن أن "إلمينتال" هي واحدة فقط من مئات العملاء الذين يستعينون بمنتجات "سوبر ميكرو".
تحقيق السلطات الأمريكية في القضية ما زال قائمًا منذ 3 سنوات في سرية تامة، ورغم عدم إعلانها رسميًا عن اكتشاف الأمر أو نتائج التحقيق، قالت الحكومة الأمريكية قبل أيام إن مجموعة صينية على صلة بالحكومة المركزية في بكين تدعى "كلود هوبر" شنت هجمات على مقدمي خدمات التكنولوجيا لسرقة بيانات، لكنها لم تُشر من بعيد أو من قريب إلى الرقائق الإلكترونية المكتشفة.
وأصدرت وزارة الداخلية الأمريكية بيانًا حذرت فيه المجموعة، التي قالت إنها متورطة في عمليات تجسس سيبراني وسرقة ملكية فكرية، بعدما أكد خبراء أمنيون في شركتين بارزتين للأمن الإلكتروني في الولايات المتحدة، تسارع نشاط القرصنة الصيني تزامنًا مع تصاعد حدة الخلاف التجاري، فيما نفت بكين دعمها لأنشطة القرصنة.
بالعودة إلى تقرير "بزنس ويك" مرة أخرى، توصل المحققون الأمريكيون إلى أن الرقائق الموضوعة في خوادم "إلمينتال" مهدت طريقًا سريًا في الشبكات التي التحقت بها، لكن الأهم من ذلك هو توصل المحققين إلى أن عملية تزويد الخوادم بالرقائق تم في مصانع تعمل من الباطن في الصين.
ويضيف التقرير: هذا الهجوم أشد ضراوة وأكثر خطورة من الاختراقات القائمة على البرمجيات الخبيثة التي اعتاد العالم عليها، ومن الصعوبة بمكان التخلص من هذه الرقائق، التي من المحتمل أن تكون بالغة الضرر، والتي تشكل أداة وصول خفية طويلة الأمد قد تنفق وكالات الاستخبارات ملايين الدولارات وسنوات من العمل للحصول عليها.
ومع ذلك فإن أسوأ ما في الأمر هو اكتشاف المحققين الأمريكيين تصميم وإنتاج هذه الرقائق من قبل وحدة تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني، والتي أشرفت أيضًا على عملية إضافتها إلى اللوحات الرئيسية للخوادم، ويقول مسؤولون أمريكيون، إن الجواسيس الصينيين وجدوا مدخلًا مثاليًا لتدبير أقوى هجوم على الإطلاق ضد سلسلة الإمدادات الخاصة بالشركات الأمريكية.
فيما يقول أحد المسؤولين إن المحققين توصلوا في النهاية إلى أن الرقائق الصينية طالت أجهزة في نحو 30 شركة أمريكية، بما في ذلك أحد البنوك الكبرى وجهات حكومية بالإضافة إلى شركة "آبل" التي نفت مزاعم تعرض خوادمها لاختراق من هذا القبيل.
وإذا تم تأكيد الادعاءات التي وردت بتقرير "بزنس ويك"، والذي قد يشكل أزمة واسعة النطاق، فستكون هناك عواقب اقتصادية كبيرة، خاصة في ظل الترابط الوثيق بين الاقتصادين الأمريكي والصيني.
وتدعي "واشنطن بوست" أن في حال تأكدت واشنطن من تورط الجهات الصينية واستغلالها لهذا الترابط في الإضرار بالأنظمة التكنولوجية الأمريكية بمكونات تهدد الأمن القومي، فسيكون هناك ضغط من الولايات المتحدة لسحب شركاتها بشكل منهجي من الصين، وربما من سلاسل التوريد العالمية بشكل عام.
وبطبيعة الحال سيكون لهذا الإجراء تداعيات كبيرة على التجارة الدولية، وقد يقود إلى عالم لا ترغب بلدانه في الاستعانة بمصادر خارجية للتزود بمكونات الأنظمة الحساسة، وفي ظل الاعتماد المتنامي على التكنولوجيا فقد يعني ذلك أن قطاعات اقتصادية كثيرة ستنغلق على نفسها داخل نطاق الحدود الوطنية.
الأمر لا يبدو بالبساطة التي عليها من الوهلة الأولى، فتحت الماء الراكد عراك محموم حتما ستطفو على السطح نتائجه أو ما يدلل عليها قريبا، وعندها ستظهر حقائق الأمور أو بعضها على الأقل التي قد تشير إلى أن الصين التي تبدو كأنها الطرف الأضعف في الحرب التجارية الجارية حاليا لم تنتظر شرارتها الأولى بل سبقتها استعدادا بأسلحة فتاكة.
التعليقات {{getCommentCount()}}
كن أول من يعلق على الخبر
رد{{comment.DisplayName}} على {{getCommenterName(comment.ParentThreadID)}}
{{comment.DisplayName}}
{{comment.ElapsedTime}}